ولما كان مع هذا البيان من الأمر الواضح أن التقدير زيادة في توبيخ المشركين وتقرير المنكرين : من فعل هذه الأفعال البالغة في الحكمة المتناهية في العلم أم من سميتموه إلها ، ولا أثر له أصلا ، عاد له بقوله : أمن وكان الأصل : أم هو ، ولكنه عبر باسم موصول أصل وضعه لذي العلم ، ووصله بما لا يصح أن يكون لغيره ليكون كالدعوى المقرونة بالدليل فقال : خلق السماوات والأرض تنبيها بالقدرة على بدء الخلق على القدرة على إعادته ، بل من باب الأولى ، دلالة على تخلقا بأخلاق المؤمنين الذين مضى أول السورة أن هذا القرآن المبين بشرى لهم. الإيمان بالآخرة
ولما كان ، قال : الإنبات من أدل الآيات ، على إحياء الأموات وأنـزل وزاد في تقريعهم وتبكيتهم وتوبيخهم بقوله : لكم أي : لأجلكم خاصة وأنتم تكفرون به وتنسبون ما تفرد به من ذلك لغيره : من السماء ماء هو للأرض كالماء الدافق للأرحام كالماء الذي ينزل آخر الدهور على القبور. [ ص: 187 ] في وجوده وقدرته واختياره لفعل المتباينات في الطعم واللون والريح والطبع والشكل بماء واحد في أرض واحدة واختصاصه بفعل ذلك من غير مشاركة شيء له شيء منه أصلا ، وهو آيته العظمى على أمر البعث ، عدل إلى التكلم [و] على وجه العظمة فقال : فأنبتنا أي : بما لنا من العظمة به حدائق أي : بساتين محدقة - أي : محيطة - بها أشجارها وجدرانها ، والظاهر أن المراد كل ما كان هكذا ، فإنه في قوة أن يدار عليه الجدار وإن لم يكن له جدار ، وعن أن البستان إن لم يكن عليه حائط فليس بحديقة. الفراء
ولما كان الأولى بجمع الكثرة لما لا يعقل الوصف بالمفرد قال مفيدا أنها كالشيء الواحد في ذلك الوصف : ذات بهجة أي : بهاء وحسن ورونق ، وبشر بها وسرور على تقارب أصولها مع اختلاف أنواعها ، وتباين طعومها وأشكالها ، ومقاديرها وألوانها.
ولما أثبت الإنبات له ، نفاه عن غيره على وجه التأكيد تنبيها على تأكد اختصاصه بفعله ، وعلى أنه إن أسند إلى غيره فهو مجاز عن التسبب وأن الحقيقة ليست إلا له فقال : ما كان أي : ما صح وما تصور بوجه من الوجوه لكم وأنتم أحياء فضلا عن شركائكم الذين هم أموات بل موات أن تنبتوا شجرها أي : شجر [ ص: 188 ] تلك الحدائق.
ولما ثبت أنه ، حسن موقع الإنكار والتقرير في قوله : المتفرد بالألوهية أإله أي كائن مع الله أي : الملك الأعلى الذي لا مثل له.
ولما كان الجواب عند كل عاقل : لا وعزته! قال معرضا عنهم للإيذان بالغضب : بل هم أي : في دعائهم معه سبحانه شريكا قوم يعدلون أي : عن الحق الذي لا مرية فيه إلى غيره ، مع العلم بالحق ، فيعدلون بالله غيره.