أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث أرقت وأمر في العشيرة حادث ترى من لؤي فرقة لا يصدها
عن الكفر تذكير ولا بعث باعث رسول أتاهم صادق فتكذبوا عليه وقالوا لست فينا بماكث
إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا وهروا هرير المحجرات اللواهث فكم قد متتنا فيهم بقرابة
وترك التقى شيء لهم غير كارث فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم
فما طيبات الحل مثل الخبائث وإن يركبوا طغيانهم وضلالهم فليس عذاب الله عنهم بلابث
ونحن أناس من ذؤابة غالب لنا العز منها في الفروع الأثائث
فأولى برب الراقصات عشية حراجيج تخذي في السريح الرثائث
كأدم ظباء حول مكة عكف يردن حياض البئر ذاب النبائث
لئن لم يفيقوا عاجلا عن ضلالهم ولست إذا آليت قولا بحانث
[ ص: 117 ] لتبتدرنهم غارة ذات مصدق تحرم أطهار النساء الطوامث
تغادر قتلى تعصب الطير حولهم ولا ترأف الكفار رأف ابن حارث
فأبلغ بني سهم لديك رسالة وكل كفور يبتغي الشر باحث
فإن تشعثوا عرضي على سوء رأيكم فإني من أعراضكم غير شاعث
أمن رسم دار أقفرت بالعثاعث بكيت بعين دمعها غير لابث
ومن عجب الأيام والدهر كله له عجب من سابقات وحادث
لجيش أتانا ذي عرام يقوده عبيدة يدعى في الهياج ابن حارث
لنترك أصناما بمكة عكفا مواريث موروث كريم لوارث
فلما لقيناهم بسمر ردينة وجرد عتاق في العجاج لواهث
وبيض كأن الملح فوق متونها بأيدي كماة كالليوث العوائث
نقيم بها إعصارا ما كان مائلا ونشفي الذحول عاجلا غير لابث
فكفوا على خوف شديد وهيبة وأعجبهم أمر لهم أمر رائث
[ ص: 118 ] ولو أنهم لم يفعلوا ناح نسوة أيامى لهم من بين نسء وطامث
وقد غودرت قتلى يخبر عنهم حفي بهم أو غافل غير باحث
فأبلغ لديك رسالة فما أنت عن أعراض فهر بماكث أبا بكر
ولما تجب مني يمين غليظة تجدد حربا حلفه غير حانث
أمن آل نعمى أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر
وهي قريب من تسعين بيتا ، فلما فرغها أعادها وكان حفظها بمرة واحدة ، ويكفي الشاعر في التفصي عن ذم هذه الآية له أن لا يغلب عليه الشعر فيشغله عن الذكر حتى يكون من الغاوين ، وليس من شرطه أن لا يكون في شعره هزل أصلا ، فقد كان ابن عباس رضي الله تعالى عنه ينشد النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله في قصيدة طويلة مدحه صلى الله عليه وسلم فيها : حسان
كأن سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماء
إذا ما الأشربات ذكرن يوما فهن لطيب الراح الفداء
نوليها الملامة إن ألمنا إذا ما كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
ولما عرف سبحانه بحال المستثنين في الذكر الذي هو أساس كل أمر ، أتبعه ما حملهم على الشعر من الظلم الذي رجاهم النصر فقال : وانتصروا أي : كلفوا أنفسهم أسباب النصر بشعرهم فيمن آذاهم من بعد ما ظلموا أي : وقع ظلم الظالم لهم بهجو ونحوه.
ولما ، وكان البادئ -إذا اقتصر المجيب على جوابه- أظلم ، كان -إذا تجاوز- جديرا بأن يعتدي فيندم ، حذر الله الاثنين مؤكدا للوعيد بالسين في قوله الذي كان السلف الصالح يتواعظون به لأنك لا تجد أهيب منه ، ولا أهول ولا أوجع لقلوب المتأملين ، ولا أصدع لأكباد المتدبرين : أباح سبحانه الانتصار من الظالم وسيعلم وبالتعميم في قوله : الذين ظلموا أي : كلهم من كانوا ، [و] بالتهويل بالإبهام في قوله : أي منقلب أي : في الدنيا والآخرة ينقلبون وقد انعطف آخرها كما ترى بوصف الكتاب المبين بما وصف به من [ ص: 121 ] الجلالة والعظم بأنه من [عند] الله متنزلا به خير مليكته ، على أشرف خليقته ، مزيلا لكل لبس ، منفيا عنه كل باطل ، وبالختام بالوعيد على الظلم على أولها في تعظيم الكتاب المبين ، ، واتصل بعدها في وصف القرآن المبين ، وبشرى المؤمنين ووعيد الكافرين ، فسبحان من أنزله على النبي الأمي الأمين ، هدى للعالمين ، وآية بينة بإعجازه للخلائق أجمعين ، باقية إلى يوم الدين. وتسلية النبي الكريم ، صلى الله عليه وسلم ووعيد الكافرين الذين هم أظلم الظالمين