ثم عم [بعد] أن خص فقال: وآتاكم .
ولما كان الكمال لا يكون إلا في الجنة قال: من كل ما سألتموه أي ما أنتم محتاجون إليه فأنتم سائلوه بالقوة; ثم حقق وجه العظم بفرض ما يوجب العجز فقال: وإن تعدوا أيها الناس كلكم نعمت الله أي تروموا عد إنعام الملك الأعلى الذي له الكمال المطلق أو تأخذوا في عده، وعبر عنه بالنعمة إرشادا إلى الاستدلال بالأثر [ ص: 422 ] على المؤثر لا تحصوها أي لا تحيطوا بها ولا تعرفوا عد الحصى المقابلة لها إن عددتموها [بها] كما كانت عادة العرب، أو لا [تجدوا] من الحصى ما يوفي بعددها، هذا في النعمة الواحدة فكيف بما زاد! فهذا شرح قوله أول السورة الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وقد ظهر به أنه لا يوجد شيء [إلا هو ملك الله فضلا عن أن يوجد شيء] يداينه فضلا عن شيء يماثله، فثبت أنه لا بيع ولا خلال يوم دينونة العباد، وتقريب العجز عن العد للإفهام أن السلامة من كل داء ذكره الأطباء في كتبهم - على كثرتها وطولها - نعمة على العبد، وذلك متعسر الحصر، وكل ما ذكروه صريحا في جنب ما دخل تحت كلياتهم تلويحا - قليل، فكيف بما لم يطلعهم الله عليه ولم يهدهم بوجه إليه، هذا في الجسم، وأما في العقل فالسلامة من كل عقد زائغ، ودين باطل [وضلال] مائل، وذلك لا يحصيه إلا خالق الفكر وفاطر الفطر سبحانه، ما أعزه وأعظم شأنه! .
ولما كان أكثر هذه السورة في بيان الكفرة وما لهم، وبيان أن أكثر الخلق هالك معرض عما يأتيه من نعمة الهداية على أيدي الرسل [ ص: 423 ] الدعاة إلى من له جميع النعم للحياة الطيبة بسعادة الدارين، ختم الآية ببيان ما اقتضى ذلك من صفات الإنسان فقال: إن الإنسان أي هذا النوع لما له من الأنس بنفسه، والنسيان لما ينفعه ويضره، والاضطراب بسبب ما يغمه ويسره لظلوم كفار أي بليغ الظلم والكفر حيث يهمل الشكر، ويتعداه إلى الكفر، وختم مثل ذلك في [سورة النحل] ب لغفور رحيم لأن تلك سورة النعم، بدئت بالنهي عن استعجال العذاب، لأن الرحمة أسبق، فالتقدير إذن هناك: ومن الرحمة إمهال الناس وإمتاعهم بالمنافع، وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ولكن ربه لا يعاجله بالعقوبة لأنه غفور رحيم، وأما هذه السورة فبدئت بأن الناس في الظلمات.