ولما تقدم الحث العظيم على الإنفاق، وأشير إلى أنه من أوثق الأسباب في الوصلة لجميع أوامر الله، وختم بأن للكافر البعد والطرد عن كل خير والسوء، كان موضع أن يقول الكفار: ما لنا يوسع علينا مع بعدنا ويضيق على المؤمن مع وصله واتصاله، وما [له] لا يبسط له رزقه ليتمكن من إنفاذ ما أمر به إن كان ذلك حقا؟ فقيل: الله أي الذي له الكمال كله يبسط الرزق ودل على تمام [ ص: 334 ] قدرته سبحانه وتعالى بقوله - جلت قدرته -: لمن يشاء فيطيع في رزقه أو يعصي ويقدر على من يشاء فيصبر أو يجزع لحكم دقت عن الأفكار، ثم يجعل ما للكافر سببا في خذلانه، وفقر المؤمن موجبا لعلو شأنه، فليس الغنى مما يمدح به، ولا الفقر مما يذم [ به- ] ، وإنما يمدح ويذم بالآثار. فيجعل رزقه بقدر ضرورته
ولما كانت السعة مظنة الفرح إلا عند من أخلصه الله وهم أقل من القليل، قال عائبا لمن اطمأن إليها: وفرحوا أي فبسط لهؤلاء الرزق فبطروا وكفروا وفرحوا بالحياة الدنيا أي بكمالها; [والفرح: لذة في القلب بنيل المشتهى. ولما كانت الدنيا متلاشية في جنب الدار التي ختم بها للمتقين، قال زيادة في الترغيب والترهيب]: وما الحياة الدنيا في الآخرة أي في جنبها إلا متاع [أي] حقير متلاش; قال : والمتاع: ما يقع به الانتفاع في العاجل، وأصله: التمتع وهو التلذذ بالأمر الحاضر. الرماني