واتقوا يوما لا تجزي أي : تقضي ، أي : يصنع فيه نفس عن نفس شيئا أي : من الجزاء .
ولما ختمت الآية الماضية بحصر الخسارة فيهم ناسب تقديم نفي القبول فقال : ولا يقبل منها عدل يبذل في فكاكها من غير الأعمال الصالحة ولا تنفعها شفاعة غير مأذون فيها ولا هم ينصرون وإن كثرت جموعهم . قال : أجراها تعالى في هذا التكرار على حدها في الأول إلا ما خالف بين الإيرادين في قوله الحرالي واتقوا يوما إلى آخره ليجمع النبأ في كل واحد من الشفاعة والعدل بين مجموع الردين من الأخذ والقبول فيكون شفاعتها لا مقبولة ولا نافعة ، ويكون عدلها لا مأخوذا ولا مقبولا ، ذلك لأن المعروض للقبول أول ما يؤخذ أخذا بحسبه من أخذ سمع أو عين ، ثم ينظر إليه نظر تحقيق في المسموع وتبصر في المنظور ، فإذا صححه التحقيق والتبصير قبل ، وإذا لم يصححه رد ، وإنما يكون ذلك لمن في حاله حظ صحة ظاهرة لا يثبت مع الخبرة ، فأنبأ تعالى بمضمون الآيتين الفاتحة والخاتمة أن [ ص: 147 ] هؤلاء ليس في حالهم حظ صحة البتة لا في شفاعة ولا في عدل فلا يقبل ولا يؤخذ إنباء بغرائه عن لبسه ظاهر صحة يقتضي أخذه بوجه ما ، ففيه تبرئة ممن حاله حال ما نبئ به عنهم على ما تقدم معناه في مضمون الآية ، وبهذه الغاية انصرف الخطاب عنهم على خصوص ما أوتوا من الكتاب الذي كان يوجب لهم أن يتدينوا بقبول ما جاء مصدقا لما معهم فاتخذوا لهم بأهوائهم ملة افتعلتها أهواؤهم ، فنظم تعالى بذلك ذكر صاحب الملة التي يرضاها وافتتح بابتداء أمره في ابتلائه ليجتمع عليهم الحجتان السابقة بحسب الملة الحنيفية الإبراهيمية واللاحقة بحسب الدين المحمدي ، كان صلى الله عليه وسلم يقول في الصباح : فخص المحمدية بالدين والإبراهيمية بالملة لينتظم ابتداء الأبوة الإبراهيمية بطوائف أهل الكتاب سابقهم ولاحقهم بنبأ ابتداء الأبوة الآدمية في متقدم قوله تعالى : "أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة الآيات لينتظم رؤوس الخطابات بعضها ببعض وتفاصيلها بتفاصيلها ، وليكون إظهار ذلك [ ص: 148 ] في سورة سنام القرآن أصلا لما في سائره من ذلك ، وذكر قبل ذلك أن الملة ما يدعو إليه هدى العقل المبلغ عن الله توحيده من ذوات الحنيفيين ، وأن الدين الإسلام ، والإسلام إلقاء ما باليد ظاهرا وباطنا ، وذلك إنما يكون عن بادي غيب التوحيد . انتهى .