ولما أفصح بمن يستحق النذارة منهم بتغيير الدين بأهوائهم فأفهم [ ص: 143 ] من يستحق البشارة تلاه بالإفصاح بالقسمين : من يستحق البشارة منهم ، ومن يستحق النذارة ، فقال : الذين آتيناهم الكتاب أي : التوراة والإنجيل يتلونه حق تلاوته قال رضي الله عنهما : يتبعونه حق اتباعه ، من تلا فلان فلانا إذا تبعه ، رواه عنه ابن عباس أبو عبيد .
وهي ناظرة إلى قوله قريبا : وهم يتلون الكتاب أي : لا حق تلاوته بل تلاوة ليس فيها تدبر لمعانيه ولا عمل بما فيه ; هذا إذا جعلناه حالا ، وإن جعلناه خبرا وقوله : أولئك أي : العظيمو الرتبة خاصة يؤمنون به خبرا ثانيا فالمعنى أن من لم يؤمن بالكتاب حق الإيمان من غير تحريف له ، لا إخفاء لشيء فيه لما انتفى عنهم المقصود بالذات وهو الانتفاع بالكتاب المؤتى انتفى عنهم أصل الإيتاء لأنه تجرد عن الفائدة ; والضمير في " به " يصح أن يكون للهدى . قال : وحقية الأمر هي وفاؤه إلى غايته ، والإحاطة به إلى جماع حدوده حتى لا يسقط منه شيء ولا يقصر فيه غاية إشعارا باشتمال الكتاب على أمر الحرالي محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 144 ] ولما وصف المؤمنين به ولم يبين ما لهم أتبعه بالكافرين فقال : ومن يكفر به أي : بالكتاب ، ثم حصر الخسر فيهم بقوله : فأولئك أي : البعداء البغضاء هم خاصة الخاسرون فأفهم أن المؤمنين به هم الرابحون ; ومن الوصف بالخسار يعلم أنهم كانوا على حق وشيء يمكن الربح فيه بتكملة الإيمان بكتابهم بالإيمان بالكتاب الخاتم فضيعوه فخسروا ، فإنه لا يخسر إلا من له أصل مال متهيئ للنماء والربح . والله أعلم .