ولما أشار ختم الآية إلى قتالهم إن أصروا، وكان التقدير: فأقدموا عليهم حيثما عادوكم إقدام الليوث الجريئة غير هائبين كثرتهم ولا قوتهم فإن الله خاذلهم، عطف عليه قوله مصرحا بالمقصود: وقاتلوهم أي: دائما حتى لا تكون فتنة أي: سبب يوجب ميلا عن الدين أصلا ويكون الدين
ولما كانت هذه الوقعة قد سرت كتائب هيبتها في القلوب فوجبت أيما وجبت، فضاقت وضعفت صدور الكافرين، وانشرحت وقويت قلوب المؤمنين; اقتضى هذا السياق التأكيد فقال: كله لله أي: الملك الأعظم خالصا غير مشوب بنوع خوف أو إغضاء على قذى، وأصل الفتن: الخلطة المحيلة، ويلزم ذلك أن يكون السبب [ ص: 281 ] عظيما؛ لأن الشيء لا يحول عن حاله إلا لأمر عظيم؛ لأن مخالفة المألوف عسرة، ومنه النتف، وكذا نفت القدر، وهو أن يغلي المرق فيلزق بجوانبها، والتنوفة: القفر؛ لأنه موضع ذلك، ويلزمه الإخلاص، من فتنت الذهب - إذا أذبته فتميز جيده من رديئه، وتارة يكون الميل إلى جهة الرديء وهو الأغلب، وتارة إلى الجيد، ومنه: وفتناك فتونا
ولما كان لهم حال اللقاء حالان: إسلام وإقبال، وكفر وإعراض وإخلال، قال مبينا لحكم القسمين: فإن انتهوا أي: عن قتالكم بالمواجهة بالإسلام فاقبلوا منهم وانتهوا عن مسهم بسوء ولا تقولوا: أنتم متعوذون بذلك غير مخلصين، تمسكا بالتأكيد بكله، فإنه ليس عليكم إلا ردهم عن المخالفة الظاهرة، وأما الباطن فإلى الله فإن الله أي: المحيط علما وقدرة، وقدم المجرور اهتماما به إفهاما لأن العلم به كالمختص به فقال: بما يعملون أي: وإن دق بصير فيجازيهم عليه، وأما أنتم فلستم عالمين بالظاهر والباطن معا فعليكم قبول الظاهر، والله بما تعملون أنتم أيضا - من كف عنهم وقتل لله أو لحظ [ ص: 282 ] نفس - بصير، فيجازيكم على حقائق الأمور وبواطنها وإن أظهرتم للناس ما يقيم عذركم، ويكمل لكل منكم أجر ما كان عزم على مباشرته من قتالهم لو لم ينتهوا، وإن لم ينتهوا بل أقدموا على قتالكم، هكذا كان الأصل، ولكنه سبحانه عبر بقوله: