ويصور السياق القرآني تلك الحالة التي كانت واقعة ; والتي ينزل القرآن من أجلها بهذا التحذير :
فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة . .
روى ، قال : حدثنا ابن جرير أبو كريب ، حدثنا إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن عطية بن سعد . قال : جاء من عبادة بن الصامت بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله . إن لي موالي من يهود كثير عددهم ; وإني فقال أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله . عبد الله بن أبي (رأس النفاق ) : إني رجل أخاف الدوائر . لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن أبي : "يا أبا الحباب . ما بخلت به من ولاية يهود على فهو لك دونه " ! قال : قد قبلت ! فأنزل الله عز وجل : عبادة ابن الصامت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . . [ ص: 913 ] وقال . "حدثنا ابن جرير هناد ، حدثنا ، حدثنا يونس بن بكير عثمان بن عبد الرحمن عن قال : الزهري بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود : أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر . فقال مالك بن الصيف : أغركم أن أصبتم رهطا من قريش ، لا علم لهم بالقتال ؟ أما لو أصررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا . فقال : يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ، كثيرا سلاحهم ، شديدة شوكتهم . وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، ولا مولى لي إلا الله ورسوله . فقال عبادة بن الصامت عبد الله بن أبي : لكني لا أبرأ من ولاية يهود . إني رجل لا بد لي منهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على ؟ فهو لك دونه ! " فقال : إذن أقبل . . عبادة بن الصامت
قال : فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن إسحاق بنو قينقاع . فحدثني . قال : فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على حكمه . فقام إليه عاصم بن عمر بن قتادة عبد الله بن أبي بن سلول - حين أمكنه الله منهم - فقال : يا محمد أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - قال : فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال : يا محمد أحسن في موالي . قال : فأعرض عنه . قال : فأدخل يده في جيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أرسلني " وغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رأوا لوجهه ظللا . ثم قال : "ويحك ! أرسلني " . قال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي . أربعمائة حاسر ، وثلاثمائة دارع ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة ؟ إني امرؤ أخشى الدوائر . قال . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هم لك " . . لما انهزم أهل
قال : فحدثني محمد بن إسحاق أبي إسحاق بن يسار ، عن عبادة ، عن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال : بنو قينقاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم ; ومشى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أحد عبادة بن الصامت بني عوف بن الخزرج . له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم ، وقال : يا رسول الله أبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم ، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم . ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآية في المائدة : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض إلى قوله: ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون . . لما حاربت
وقال الإمام : حدثنا أحمد قتيبة بن سعيد ، حدثنا ، عن يحيى بن زكريا بن أبي زيادة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري عودة ، ، قال : دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أسامة بن زيد عبد الله بن أبي نعوده ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - "قد كنت أنهاك عن حب يهود " فقال عبد الله : فقد أبغضهم فمات أسعد بن زرارة . . (وأخرجه عن من حديث أبو داود ) . محمد بن إسحاق
فهذه الأخبار في مجموعها تشير إلى تلك الحالة التي كانت واقعة في المجتمع المسلم ; والمتخلفة عن الأوضاع التي كانت قائمة في المدينة قبل الإسلام ; وكذلك عن التصورات التي لم تكن قد حسمت في قضية العلاقات التي يمكن أن تقوم بين الجماعة المسلمة واليهود والتي لا يمكن أن تقوم . . غير أن الذي يلفت النظر أنها كلها تتحدث عن اليهود ، ولم يجئ ذكر في الوقائع للنصارى . . ولكن النص يجمل اليهود والنصارى . . ذلك أنه [ ص: 914 ] بصدد إقامة تصور دائم وعلاقة دائمة وأوضاع دائمة بين الجماعة المسلمة وسائر الجماعات الأخرى ، سواء من أهل الكتاب أو من المشركين (كما سيجيء في سياق هذا الدرس ) . . ومع اختلاف مواقف اليهود من المسلمين عن مواقف النصارى في جملتها في العهد النبوي ، ومع إشارة القرآن الكريم في موضع آخر من السورة إلى هذا الاختلاف في قوله تعالى : لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا: إنا نصارى.. إلخ . . مع هذا الاختلاف الذي كان يومذاك ، فإن النص هنا يسوي بين اليهود والنصارى - كما يسوي النص القادم بينهم جميعا وبين الكفار - فيما يختص بقضية المحالفة والولاء . ذلك أن هذه القضية ترتكز على قاعدة أخرى ثابتة . هي : أن ليس للمسلم ولاء ولا حلف إلا مع المسلم ; وليس للمسلم ولاء إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة . . ويستوي بعد ذلك كل الفرق في هذا الأمر . . مهما اختلفت مواقفهم من المسلمين في بعض الظروف . .
على أن الله - سبحانه - وهو يضع للجماعة المسلمة هذه القاعدة العامة الحازمة الصارمة ، كان علمه يتناول الزمان كله ، لا تلك الفترة الخاصة من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وملابساتها الموقوتة . . وقد أظهر التاريخ الواقع فيما بعد أن عداء النصارى لهذا الدين وللجماعة المسلمة في معظم بقاع الأرض لم يكن أقل من عداء اليهود . . وإذا نحن استثنينا موقف نصارى العرب ونصارى مصر في حسن استقبال الإسلام ، فإننا نجد الرقعة النصرانية في الغرب ، قد حملت للإسلام في تاريخها كله منذ أن احتكت به من العداوة والضغن ، وشنت عليه من الحرب والكيد ، ما لا يفترق عن حرب اليهود وكيدهم في أي زمان ! حتى الحبشة التي أحسن عاهلها استقبال المهاجرين المسلمين واستقبال الإسلام ، عادت فإذا هي أشد حربا على الإسلام والمسلمين من كل أحد ; لا يجاريها في هذا إلا اليهود . .
وكان الله - سبحانه - يعلم الأمر كله . فوضع للمسلم هذه القاعدة العامة . بغض النظر عن واقع الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها وملابساتها الموقوتة ! وبغض النظر عما يقع مثلها في بعض الأحيان هنا وهناك إلى آخر الزمان .
وما يزال الإسلام والذين يتصفون به - ولو أنهم ليسوا من الإسلام في شيء - يلقون من عنت الحرب المشبوبة عليهم وعلى عقيدتهم من اليهود والنصارى في كل مكان على سطح الأرض ، ما يصدق قول الله تعالى :
بعضهم أولياء بعض . . وما يحتم أن يتدرع المسلمون الواعون بنصيحة ربهم لهم . بل بأمره الجازم ، ونهيه القاطع ; وقضائه الحاسم في المفاصلة الكاملة بين أولياء الله ورسوله ، وكل معسكر آخر لا يرفع راية الله ورسوله . .
إن . فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة . . ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء - وهو التناصر - بين المسلم وغير المسلم ; إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة . . ولا حتى أمام الإلحاد مثلا - كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرؤون القرآن ! - وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ؟ . الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس العقيدة
إن بعض من لا يقرؤون القرآن ، ولا يعرفون حقيقة الإسلام ; وبعض المخدوعين أيضا . . يتصورون أن الدين كله دين ! كما أن الإلحاد كله إلحاد ! وأنه يمكن إذن أن يقف "التدين " بجملته في وجه الإلحاد . لأن الإلحاد ينكر الدين كله ، ويحارب التدين على الإطلاق . .
ولكن الأمر ليس كذلك في التصور الإسلامي ; ولا في حس المسلم الذي يتذوق الإسلام . ولا يتذوق [ ص: 915 ] الإسلام إلا من يأخذه عقيدة ، وحركة بهذه العقيدة ، لإقامة النظام الإسلامي .
إن الأمر في التصور الإسلامي وفي حس المسلم واضح محدد . . الدين هو الإسلام . . وليس هناك دين غيره يعترف به الإسلام . . لأن الله - سبحانه - يقول هذا . يقول : إن الدين عند الله الإسلام .. ويقول:
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه .. وبعد رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يعد هناك دين يرضاه الله ويقبله من أحد إلا هذا "الإسلام " . . في صورته التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - وما كان يقبل قبل بعثة محمد من النصارى لم يعد الآن يقبل . كما أن ما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عيسى عليه السلام ، لم يعد يقبل منهم بعد بعثته . .
ووجود يهود ونصارى - من أهل الكتاب - بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس معناه أن الله يقبل منهم ما هم عليه ; أو يعترف لهم بأنهم على دين إلهي . . لقد كان ذلك قبل بعثة الرسول الأخير . . أما بعد بعثته فلا دين - في التصور الإسلامي وفي حس المسلم - إلا الإسلام . . وهذا ما ينص عليه القرآن نصا غير قابل للتأويل . .
إن الإسلام لا يكرههم على ترك معتقداتهم واعتناق الإسلام . . لأنه "لا إكراه في الدين " ولكن هذا ليس معناه أنه يعترف بما هم عليه "دينا " ويراهم على دين " . .
ومن ثم فليس هناك جبهة تدين يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد ! هناك "دين " هو الإسلام . . وهناك "لا دين " هو غير الإسلام . . ثم يكون هذا اللادين . . عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفة ، أو عقيدة أصلها وثني باقية على وثنيتها . أو إلحادا ينكر الأديان . . تختلف فيما بينها كلها . ولكنها تختلف كلها مع الإسلام . ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء . . .
والمسلم يتعامل مع أهل الكتاب هؤلاء ; وهو مطالب بإحسان معاملتهم - كما سبق - ما لم يؤذوه في الدين ; ويباح له أن يتزوج المحصنات منهن - على خلاف فقهي فيمن تعتقد بألوهية المسيح أو بنوته ، وفيمن تعتقد التثليث أهي كتابية تحل أم مشركة تحرم - وحتى مع الأخذ بمبدأ تحليل النكاح عامة . . فإن حسن المعاملة وجواز النكاح ، ليس معناها الولاء والتناصر في الدين ; وليس معناها اعتراف المسلم بأن دين أهل الكتاب بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - هو دين يقبله الله ; ويستطيع الإسلام أن يقف معه في جبهة واحدة لمقاومة الإلحاد !
إن الإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب ; كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء . ودعاهم إلى الإسلام جميعا ، لأن هذا هو "الدين " الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعا . ولما فهم اليهود أنهم غير مدعوين إلى الإسلام ، وكبر عليهم أن يدعوا إليه ، جابههم القرآن الكريم بأن الله يدعوهم إلى الإسلام ، فإن تولوا عنه فهم كافرون !
. وهو غير مأذون في أن يكره أحدا من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام . لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه . فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه ، هو كذلك لا ثمرة له . والمسلم مكلف أن يدعو أهل الكتاب إلى الإسلام ، كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء
ولا يستقيم أن يعترف المسلم بأن ما عليه أهل الكتاب بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - هو دين يقبله الله . . ثم يدعوهم مع ذلك إلى الإسلام ! . . إنه لا يكون مكلفا بدعوتهم إلى الإسلام إلا على أساس واحد ; هو أنه لا يعترف بأن ما هم عليه دين . وأنه يدعوهم إلى الدين . [ ص: 916 ] وإذا تقررت هذه البديهية ، فإنه لا يكون منطقيا مع عقيدته إذا دخل في ولاء أو تناصر للتمكين للدين في الأرض ، مع من لا يدين بالإسلام .
إن هذه القضية في الإسلام قضية اعتقادية إيمانية . كما أنها قضية تنظيمية حركية !
من ناحية أنها قضية إيمانية اعتقادية نحسب أن الأمر قد صار واضحا بهذا البيان الذي أسلفناه ، وبالرجوع إلى النصوص القرآنية القاطعة بعدم قيام ولاء بين المسلمين وأهل الكتاب .
ومن ناحية أنها قضية تنظيمية حركية الأمر واضح كذلك . . فإذا كان سعي المؤمن كله ينبغي أن يتجه إلى إقامة منهج الله في الحياة ; وهو المنهج الذي ينص عليه الإسلام كما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - بكل تفصيلات وجوانب هذا المنهج ، وهي تشمل كل نشاط الإنسان في الحياة . . فكيف يمكن إذن أن يتعاون المسلم في هذا السعي مع من لا يؤمن بالإسلام دينا ومنهجا ونظاما وشريعة ; ومن يتجه في سعيه إلى أهداف أخرى - إن لم تكن معادية للإسلام وأهدافه فهي على الأقل ليست أهداف الإسلام - إذ الإسلام لا يعترف بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا في ذاته صالحا الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . .
. . ولا يتصور إمكان انفصال أية جزئية في السعي اليومي في حياة المسلم عن الإسلام . . لا يتصور إمكان هذا إلا من لا يعرف طبيعة الإسلام وطبيعة المنهج الإسلامي . . ولا يتصور أن هناك جوانب في الحياة خارجة عن هذا المنهج يمكن التعاون فيها مع من يعادي الإسلام ، أو لا يرضى من المسلم إلا أن يترك إسلامه ، كما نص الله في كتابه على ما يطلبه اليهود والنصارى من المسلم ليرضوا عنه ! . . إن هناك استحالة اعتقادية كما أن هناك استحالة عملية على السواء . . والإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للإسلام
ولقد كان اعتذار عبد الله بن أبي بن سلول ، وهو من الذين في قلوبهم مرض ، عن مسارعته واجتهاده في الولاء ليهود ، والاستمساك بحلفه معها ، هي قوله : إنني رجل أخشى الدوائر ! إني أخشى أن تدور علينا الدوائر وأن تصيبنا الشدة ، وأن تنزل بنا الضائقة . . وهذه الحجة هي علامة مرض القلب وضعف الإيمان . . فالولي هو الله ; والناصر هو الله ; والاستنصار بغيره ضلالة ، كما أنه عبث لا ثمرة له . . ولكن حجة ابن سلول ، هي حجة كل ابن سلول على مدار الزمان ; وتصوره هو تصور كل منافق مريض القلب ، لا يدرك حقيقة الإيمان . . وكذلك نفر قلب من ولاء يهود بعد ما بدا منهم ما بدا . لأنه قلب مؤمن فخلع ولاء اليهود وقذف به ، حيث تلقاه وضم عليه صدره وعض عليه بالنواجذ عبادة بن الصامت عبد الله بن أبي بن سلول ! إنهما نهجان مختلفان ، ناشئان عن تصورين مختلفين ، وعن شعورين متباينين ، ومثل هذا الاختلاف قائم على مدار الزمان بين قلب مؤمن وقلب لا يعرف الإيمان !
ويهدد القرآن المستنصرين بأعداء دينهم ، المتألبين عليهم ، المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم . . يهددهم برجاء الفتح أو أمر الله الذي يفصل في الموقف ; أو يكشف المستور من النفاق .
فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين .
وعندئذ - عند الفتح - سواء كان هو فتح مكة أو كان الفتح بمعنى الفصل أو عند مجيء أمر الله يندم أولئك الذين في قلوبهم مرض ، على المسارعة والاجتهاد في ولاء اليهود والنصارى وعلى النفاق الذي انكشف أمره ، وعندئذ يعجب الذين آمنوا من حال المنافقين ، ويستنكرون ما كانوا فيه من النفاق وما صاروا إليه من الخسران !
[ ص: 917 ] ويقول الذين آمنوا: أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم؟ حبطت أعمالهم، فأصبحوا خاسرين! . .
ولقد جاء الله بالفتح يوما ، وتكشفت نوايا ، وحبطت أعمال ، وخسرت فئات . ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح ، كلما استمسكنا بعروة الله وحده ; وكلما أخلصنا الولاء لله وحده . وكلما وعينا منهج الله ، وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا . وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه . فلم نتخذ لنا وليا إلا الله ورسوله والذين آمنوا . .