ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا
ولا يأتونك بمثل من الأمثال من جملتها ما حكي من اقتراحاتهم القبيحة الخارجة عن دائرة العقول الجارية لذلك مجرى الأمثال ، أي : لا يأتونك بكلام عجيب هو مثل في البطلان يريدون به القدح في حقك وحق القرآن إلا جئناك في مقابلته بالحق أي : بالجواب الحق الثابت الذي ينحي عليه بالإبطال ويحسم مادة القيل والقال كما مر من الأجوبة الحقة القالعة لعروق أسئلتهم الشنيعة الدامغة لها بالكلية .
وقوله تعالى : وأحسن تفسيرا عطف على الحق ، أي : جئناك بأحسن الحسن في حد ذاته لا أن ما يأتون به له حسن في الجملة وهذا أحسن منه كما مر . والاستثناء مفرغ محله النصب على الحالية ، أي : لا يأتونك بمثل إلا حال إتياننا إياك الحق الذي لا مجيد عنه . وفيه من الدلالة على المسارعة إلى إبطال ما أتوا به وتثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى ، وهذا بعبارته ناطق ببطلان جميع الأسئلة وبصحة جميع الأجوبة ، وبإشارته منبئ عن بطلان السؤال الأخير وصحة جوابه إذ لولا أن تنـزيل القرآن على التدريج لما أمكن إبطال تلك الاقتراحات الشنيعة ولما حصل تثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم من تلك الحيثية . هذا وقد جوز أن يكون المثل عبارة عن الصفة العربية التي كانوا يقترحون كونه صلى الله عليه وسلم عليها من مقارنة الملك والاستغناء عن الأكل والشرب وحيازة الكنـز والجنة ونزول القرآن عليه جملة واحدة على معنى : لا يأتوك بحال عجيبة يقترحون اتصافك بها قائلين : هلا كان على هذه الحالة إلا أعطيناك نحن من الأحوال الممكنة ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ودلالة على صحته وهو الذي أنت عليه في الذات [ ص: 217 ] والصفات ويأباه الاستثناء المذكور ، فإن المتبادر منه يكون ما أعطاه الله تعالى من الحق مترتبا على ما أتوا به من الأباطيل دامغا لها ولا ريب في ما آتاه الله تعالى من الملكات السنية اللائقة بالرسالة قد أتاه من أول الأمر لا بمقابلة ما حكي عنهم من الاقتراحات لأجل دمغها وإبطالها .