لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون
وقوله تعالى : لا يسبقونه بالقول صفة أخرى لعباد منبئة عن كمال طاعتهم وانقيادهم لأمره تعالى ، أي : لا يقولون شيئا حتى يقوله تعالى أو يأمرهم به ، وأصله لا يسبق قولهم قوله تعالى ، فأسند السبق إليهم منسوبا إليه تعالى تنـزيلا لسبق قولهم قوله تعالى منـزلة سبقهم إياه تعالى لمزيد تنـزيههم عن ذلك وللتنبيه على غاية استهجان السبق المعرض به للذين يقولون ما لا يقوله الله تعالى وجعل القول محلا للسبق وأداة له ، ثم أنيب اللام عن الإضافة للاختصار والتجافي عن التكرار . وقرئ : "لا يسبقونه" بضم الباء من سابقته فسبقته أسبقه ، وفيه مزيد استهجان للسبق وإشعار بأن من سبق قوله قوله تعالى فقد تصدى لمغالبته تعالى في السبق فسبقه فغلبه - والعياذ بالله تعالى- ، وزيادة تنـزيه لهم عما نفي عنهم ببيان أن ذلك عندهم بمنزلة الغلبة بعد المغالبة فأتى يتوهم صدور عنهم .
وهم بأمره يعملون بيان لتبيعتهم له تعالى في الأعمال إثر بيان تبعيتهم له تعالى في الأقوال ، فإن نفي سبقهم له تعالى بالقول عبارة عن تبعيتهم له تعالى فيه ، كأنه قيل : هم بأمره يقولون وبأمره [ ص: 64 ] يعملون لا بغير أمره أصلا ، فالقصر المستفاد من تقديم الجار معتبر بالنسبة إلى غير أمره لا إلى أمر غيره .