لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون
لو كان صرف للخطاب عنهم، وتوجيه له إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعديدا لما صدر عنهم من الهنات قولا وفعلا على طريق المباثة، وبيانا لدناءة هممهم وسائر رذائلهم، أي: لو كان ما دعوا إليه عرضا قريبا العرض ما عرض لك من منافع الدنيا، أي: لو كان ذلك غنما سهل المأخذ قريب المال وسفرا قاصدا ذا قصد بين القريب والبعيد لاتبعوك في النفير طمعا في الفوز بالغنيمة، وتعليق الاتباع بكلا الأمرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط ولكن بعدت عليهم الشقة أي: المسافة الشاطة الشاقة التي تقطع بمشقة، وقرئ بكسر العين والشين.
وسيحلفون أي: المتخلفون عن الغزو، وقوله تعالى: بالله إما متعلق بـ(سيحلفون)، أو هو من جملة كلامهم، والقول مراد على الوجهين، أي: سيحلفون [ ص: 68 ] بالله اعتذارا عند قفولك قائلين: لو استطعنا أو سيحلفون قائلين: بالله لو استطعنا... إلخ، أي: لو كان لنا استطاعة من جهة العدة، أو من جهة الصحة، أو من جهتهما جميعا حسبما عن لهم من الكذب والتعلل، وعلى كلا التقديرين فقوله تعالى: لخرجنا معكم ساد مسد جوابي القسم والشرط جميعا، أما على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأن قولهم (لو استطعنا) في قوة: بالله لو استطعنا؛ لأنه بيان لقوله تعالى: "سيحلفون بالله" وتصديق له، والإخبار بما سيكون منهم بعد القفول - وقد وقع حسبما أخبر به - من جملة المعجزات الباهرة. وقرئ (لو استطعنا) بضم الواو تشبيها لها بواو الجمع، كما في قوله عز وجل: فتمنوا الموت .
يهلكون أنفسهم بدل من سيحلفون؛ لأن الحلف الكاذب إهلاك للنفس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: أو حال من فاعله، أي: مهلكين أنفسهم، أو من فاعل (خرجنا) جئ به على طريقة الإخبار عنهم، كأنه قيل: نهلك أنفسنا، أي: لخرجنا معكم مهلكين أنفسنا، كما في قولك: حلف ليفعلن مكان لأفعلن. «اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع»
والله يعلم إنهم لكاذبون أي: في مضمون الشرطية، وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقق المقدم، حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا.