31 - فلما سمعت راعيل بمكرهن باغتيابهن وقولهن :امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها ، وسمي الاغتياب مكرا ؛ لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفي الماكر مكره وقيل كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها أرسلت إليهن دعتهن قيل دعت أربعين امرأة منهن الخمس المذكورات وأعتدت وهيأت ، افتعلت من العتاد لهن متكأ ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكآت والسكاكين في أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها ؛ لأن المتكئ إذا بهت لشيء وقعت يده على يده وآتت كل واحدة منهن سكينا وكانوا لا يأكلون في ذلك الزمان إلا بالسكاكين كفعل الأعاجم وقالت اخرج عليهن بكسر التاء بصري وعاصم ، وبضمها غيرهم وحمزة فلما رأينه أكبرنه أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائق والجمال الفائق وكان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدته سارة ، وقيل أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت إذ لا يقال النساء قد حضنه ؛ لأنه لا يتعدى إلى مفعول يقال أكبرت المرأة إذا حاضت وحقيقته دخلت في الكبر ؛ لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر ، وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله:
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
وقطعن أيديهن وجرحنها كما تقول كنت أقطع اللحم فقطعت يدي تريد جرحتها أي : أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهشن لما رأينه فخدشن أيديهن وقلن حاش لله حاشا كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء تقول : أساء القوم حاشا زيد وهي حرف من حروف الجر [ ص: 108 ] فوضعت موضع التنزيه والبراءة ، فمعنى "حاشا الله" براءة الله وتنزيه الله وقراءة "حاشا لله" نحو قولك سقيا لك ،كأنه قال برءا ثم قال لله لبيان من يبرأ وينزه ، وغيره "حاش لله" بحذف الألف الأخيرة والمعنى تنزيه الله من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله أبي عمرو ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم نفين عنه البشرية لغرابة جماله وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم لما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان