واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب
( واذكر عبدنا أيوب ) هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه. ( إذ نادى ربه ) بدل من ( عبدنا ) و ( أيوب ) عطف بيان له. ( أني مسني ) بأني مسني، وقرأ بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل. ( حمزة الشيطان بنصب ) بتعب. ( وعذاب ) ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي [ ص: 31 ] لقال: إنه مسه، والإسناد إلى ( الشيطان ) إما لأن الله مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل: إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثه مظلوم فلم يغثه، أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه، أو لسؤاله امتحانا لصبره فيكون اعترافا بالذنب أو مراعاة للأدب، أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم، أو لأن المراد بالنصب والعذاب ما كان يوسوس إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الجزع، وقرأ بفتح النون على المصدر، وقرئ بفتحتين وهو لغة كالرشد والرشد وبضمتين للتثقيل. يعقوب
( اركض برجلك ) حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك الأرض. ( هذا مغتسل بارد وشراب ) أي فضربها فنبعت عين فقيل: هذا مغتسل أي ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك، وقيل: نبعت عينان حارة وباردة فاغتسل من الحارة وشرب من الأخرى.
( ووهبنا له أهله ) بأن جمعناهم عليه بعد تفرقهم أو أحييناهم بعد موتهم، وقيل: وهبنا له مثلهم.
( ومثلهم معهم ) حتى كان له ضعف ما كان. ( رحمة منا ) لرحمتنا عليه ( وذكرى لأولي الألباب ) وتذكيرا لهم لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم.
( وخذ بيدك ضغثا ) عطف على اركض والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه. ( فاضرب به ولا تحنث ) روي أن زوجته ليا بنت يعقوب وقيل: رحمة بنت إفراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة فأبطأت فحلف إن برئ ضربها مائة ضربة، فحلل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود. ( إنا وجدناه صابرا ) فيما أصابه في النفس والأهل والمال، ولا يخل به شكواه إلى الله من الشيطان فإنه لا يسمى جزعا كتمني العافية وطلب الشفاء مع أنه قال ذلك خيفة أن يفتنه أو قومه في الدين. ( نعم العبد ) أيوب. ( إنه أواب ) مقبل بشراشره على الله تعالى.