"البر": اسم للخير ولكل فعل مرضي أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب : الخطاب لأهل الكتاب; لأن اليهود تصلي قبل المغرب إلى بيت المقدس، والنصارى قبل المشرق، وذلك أنهم أكثروا حين حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخوض في أمر القبلة الكعبة، وزعم كل واحد من الفريقين أن البر التوجه إلى قبلته، فرد عليهم، وقيل: ليس البر فيما أنتم عليه، فإنه منسوخ خارج من البر، ولكن البر ما نبينه، وقيل: كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة، فقيل: ليس البر العظيم الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة، ولكن البر الذي يجب الاهتمام به وصرف الهمة بر من آمن وقام بهذه الأعمال.
وقرئ: (وليس البر) -بالنصب على أنه خبر مقدم- وقرأ عبد الله : (بأن تولوا)، على إدخال الباء على الخبر للتأكيد كقولك: ليس المنطلق بزيد، ولكن البر من آمن بالله : على تأويل حذف المضاف، أي بر من آمن، أو يتأول البر بمعنى ذي البر، أو كما قالت [من البسيط]:
فإنما هي إقبال وإدبار
[ ص: 363 ] وعن : لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت: (ولكن البر)، بفتح الباء، وقرئ: (ولكن البار)، وقرأ المبرد ابن عامر : (ولكن البر) بالتخفيف. ونافع
"والكتاب": جنس كتب الله، أو القرآن على حبه : مع حب المال والشح به، كما قال : "أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا" وقيل: على حب الله، وقيل: على حب الإيتاء، [ ص: 364 ] يريد أن يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه، وقدم ذوي القربى; لأنهم أحق، قال -عليه الصلاة والسلام-: ابن مسعود وقال -عليه الصلاة والسلام-: "صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي رحمك اثنتان لأنها صدقة وصلة" "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح".
[ ص: 365 ] وأطلق ذوي القربى واليتامى والمراد: الفقراء منهم لعدم الإلباس، والمسكين: [ ص: 366 ] الدائم السكون إلى الناس; لأنه لا شيء له، كالمسكير: للدائم السكر، وابن السبيل : المسافر المنقطع، وجعل ابنا للسبيل لملازمته له، كما يقال للص القاطع: ابن الطريق، وقيل: هو الضيف; لأن السبيل يرعف به.
"والسائلين": المستطعمين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "للسائل حق وإن جاء على ظهر فرسه".
وفي الرقاب : وفي معاونة المكاتبين حتى يفكوا رقابهم، وقيل: في ابتياع الرقاب وإعتاقها، وقيل: في فك الأسارى.
[ ص: 367 ] فإن قلت: قد ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قفاه بإيتاء الزكاة، فهل دل ذلك على أن في المال حقا سوى الزكاة؟ قلت: يحتمل ذلك، وعن : أن في المال حقا سوى الزكاة، وتلا هذه الآية، ويحتمل أن يكون ذلك بيان الشعبي أو يكون حثا على نوافل الصدقات والمبار، وفي الحديث: مصارف الزكاة، يعني: وجوبها، وروي: "نسخت الزكاة كل صدقة" "ليس في المال حق سوى الزكاة".
"والموفون": عطف على (من آمن)، و(أخرج) "والصابرين": منصوبا على الاختصاص والمدح; وإظهارا لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال، وقرئ: (والصابرون)، وقرئ: (والموفين) (والصابرين)، و"البأساء": الفقر والشدة، "والضراء": المرض والزمانة، "صدقوا": كانوا صادقين جادين في الدين.