قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون
قال موسى لقومه استعينوا بالله قال لهم ذلك - حين قال فرعون : سنقتل أبناءهم فجزعوا منه وتضجروا - يسكنهم ، ويسليهم ، ويعدهم النصرة عليهم ، ويذكر لهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط ، وتوريثهم أرضهم وديارهم .
فإن قلت : لم أخليت هذه الجملة عن الواو ، وأدخلت على التي قبلها؟
قلت : هي جملة مبتدأة مستأنفة ، وأما : "وقال الملأ" : فمعطوفة على ما سبقها من قوله : وقال الملأ من قوم فرعون ، وقوله : إن الأرض لله : يجوز أن تكون اللام للعهد ، ويراد أرض مصر خاصة ; كقوله : وأورثنا الأرض [الزمر : 74] وأن تكون للجنس فيتناول أرض مصر ; لأنها من جنس الأرض ، كما قال ضمرة : إنما المرء بأصغريه ، فأراد بالمرء الجنس ، وغرضه أن يتناوله تناولا أوليا والعاقبة للمتقين : بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط ، وأن المشيئة متناولة لهم ، وقرأ : "والعاقبة للمتقين" : بالنصب : أبي عطفا على الأرض . وابن مسعود ،
أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا : يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى - عليه السلام - إلى أن استنبئ ، وإعادته عليهم بعد ذلك ، وما كانوا يستعبدون به ، ويمتهنون فيه من أنواع الخدم ، والمهن ، ويمسون به من العذاب عسى ربكم أن يهلك عدوكم : تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل ، وكشف عنه وهو إهلاك فرعون ، واستخلافهم بعده في أرض مصر فينظر كيف تعملون : فيرى الكائن منكم من العمل حسنه ، وقبيحه ، وشكر النعمة ، وكفرانها ، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم ، وعن - رحمه الله - أنه دخل على عمرو بن عبيد قبل الخلافة ، وعلى مائدته رغيف أو رغيفان ، فطلب زيادة المنصور لعمرو فلم توجد ، فقرأ عمرو هذه الآية ، ثم دخل عليه بعدما استخلف ، فذكر له ذلك ، وقال : قد بقي فينظر كيف تعملون .