موسى ؟ فقال : "أبعدهما وأبطأهما " ، وروي أنه قال : "قضى أوفاهما ، وتزوج صغراهما " . وهذا خلاف الرواية التي سبقت . الجذوة -باللغات الثلاث . وقرئ بهن جميعا - : العود الغليظ ، كانت في رأسه نار أو لم تكن ؛ قال سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : أي الأجلين قضى كثير [من البسيط ] :
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها . . . جزل الجذى غير خوار ولا دعر
[ ص: 499 ] وقال [من الطويل ] :
وألقى على قبس من النار جذوة . . . شديدا عليه حرها والتهابها
" من" الأولى والثانية لابتداء الغاية ، أي : أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة . و من الشجرة بدل من قوله : من شاطئ الوادي ، بدل الاشتمال ؛ لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ ، كقوله تعالى : لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم [الزخرف : 33 ] وقرئ : "البقعة" بالضم والفتح . و "الرهب" بفتحتين ، وضمتين ، وفتح وسكون ، وضم وسكون : وهو الخوف . فإن قلت : ما معنى قوله : واضمم إليك جناحك من الرهب ؟ قلت : فيه معنيان ، أحدهما : أن موسى عليه السلام لما قلب الله العصا حية : فزع واضطرب ، فاتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء ، فقيل له : إن اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء . [ ص: 500 ] فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية ، فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما هو غضاضة عليك ، وإظهار معجزة أخرى . والمراد بالجناح : اليد ؛ لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر . وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى ، فقد ضم جناحه إليه . والثاني : أن يراد بضم جناحه إليه : تجلده وضبطه نفسه . وتشدده عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب ، استعارة من فعل الطائر ؛ لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما . وإلا فجناحاه مضمومتان إليه مشمران . ومنه ما يحكى عن أن كاتبا له كان يكتب بين يديه ، فانفلتت منه فلتة ريح ، فخجل وانكسر ، فقام وضرب بقلمه الأرض ، فقال له عمر بن عبد العزيز : خذ قلمك ، واضمم إليك جناحك ، وليفرخ روعك ، فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي . ومعنى قوله : عمر من الرهب من أجل الرهب ، أي : إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك : جعل الرهب الذي كان يصيبه سببا وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه . ومعنى : واضمم إليك جناحك . وقوله : اسلك يدك في جيبك على أحد التفسيرين : واحد . ولكن خولف بين العبارتين ، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين ، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني : إخفاء الرهب . فإن قلت قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموما وفي الآخر مضموما إليه ، وذلك قوله : واضمم إليك جناحك وقوله : واضمم يدك إلى جناحك [طه : 22 ] فما التوفيق بينهما ؟ قلت : المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى ، وبالمضموم إليه : اليد اليسرى وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما : جناح . ومن بدع التفاسير : أن الرهب : الكم ، بلغة حمير وأنهم يقولون : أعطني مما في رهبك ، وليت شعري كيف صحته في اللغة ؟ وهل سمع من الأثبات الثقات الذين ترتضى عربيتهم ؟ ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية ؟ وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل ؟ على أن موسى عليه السلام ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زرمانقة من صوف لا كمي لها "فذانك" قرئ مخففا ومشددا ، فالمخفف مثنى ذاك . والمشدد مثنى ذلك ، "برهانان" حجتان بينتان نيرتان . فإن قلت : لم سميت الحجة برهانا ؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء . برهرهة ، بتكرير العين واللام معا . والدليل على زيادة النون قولهم : أبره الرجل ، إذا جاء [ ص: 501 ] بالبرهان . ونظيره تسميتهم إياها سلطان من السليط وهو الزيت ، لإنارتها .