فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم [ ص: 472 ] مسلمون
أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين ، وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج الذي لا يتعلق به الشك والظن . وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته . وأن مثله لا يخذل . فإن قلت : إنك لا تسمع الموتى يشبه أن يكون تعليلا آخر للتوكل ، فما وجه ذلك ؟ قلت : وجهه أن الأمر بالتوكل جعل مسببا عما كان يغيظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جهة المشركين وأهل الكتاب : من ترك اتباعه وتشييع ذلك بالأذى والعداوة ، فلاءم ذلك أن يعلل توكل متوكل مثله ، بأن اتباعهم أمر قد يئس منه ، فلم يبق إلا الاستنصار عليهم لعداوتهم واستكفاء شرورهم وأذاهم ، وشبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس ، لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله -فكانوا أقماع القول لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع - : كانت حالهم -لانتفاء جدوى السماع - : كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع ؛ وكذلك تشبيههم بالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون . وشبهوا بالعمي حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ، وأن يجعلهم هداة بصراء إلا الله عز وجل . فإن قلت : ما معنى قوله : إذا ولوا مدبرين ؟ قلت : هو تأكيد لحال الأصم ، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولي عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته . وقرئ : "ولا يسمع الصم " ، "وما أنت بهاد العمي " ، على الأصل . وتهدي العمي . وعن : "وما أن تهدي العمي " ، وهداه عن الضلال . كقولك : سقاه عن العيمة أي : أبعده عنها بالسقي ، وأبعده عن الضلال بالهدى ابن مسعود إن تسمع أي ما يجدي إسماعك إلا على الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته ، أي : يصدقون بها فهم مسلمون أي مخلصون من قوله : بلى من أسلم وجهه لله يعني : جعله سالما لله خالصا له .