قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون
أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته ، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده . وفيه تعليم حسن ، وتوقيف على أدب جميل ، وبعث على التيمن بالذكرين ، والتبرك بهما ، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه ، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع . ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب ، فحمدوا الله عز وجل وصلوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمام كل علم مفاد وقبل كل عظة وتذكرة ، وفي مفتتح كل خطبة ، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن . وقيل : هو متصل بما قبله ، وأمر بالتحميد على الهالكين من كفار الأمم والصلاة على الأنبياء عليهم السلام وأشياعهم الناجين . وقيل : هو خطاب للوط عليه السلام ، وأن يحمد الله على هلاك كفار قومه ، ويسلم على من اصطفاه الله ونجاه من هلكتهم وعصمه من ذنوبهم . معلوم أن لا خير فيما أشركوه أصلا حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل خير ومالكه ، وإنما هو إلزام لهم وتبكيت وتهكم بحالهم ، وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله ، ولا يؤثر عاقل شيئا على شيء إلا لداع يدعوه إلى إيثاره من زيادة خير ومنفعة ، فقيل لهم ، مع العلم بأنه [ ص: 464 ] لا خير فيما آثروه ، وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخير ولكن هوى وعبثا ، لينبهوا على الخطأ المفرط والجهل المورط وإضلالهم التمييز ونبذهم المعقول وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد . ونحوه ما حكاه عن فرعون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين مع علمه أنه ليس لموسى مثل أنهاره التي كانت تجري تحته . ثم عدد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله ، كما عددها في موضع آخر ثم قال : هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء . وقرئ : "يشركون" بالياء والتاء . وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : أنه كان إذا قرأها يقول : "بل الله خير وأبقى وأجل أكرم " .