وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
"النون " : الحوت ، فأضيف إليه ، برم بقومه ؛ لطول ما ذكرهم فلم يذكروا وأقاموا على كفرهم ، فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ ؛ حيث لم يفعله إلا غضبا لله وأنفة لدينه وبغضا للكفر وأهله ، وكان عليه أن يصابر وينتظر الإذن من الله في المهاجرة عنهم ، فابتلي ببطن الحوت ، ومعنى مغاضبته لقومه : أنه أغضبهم بمفارقته ، لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها ، وقرأ أبو شرف : "مغضبا " ، قرئ : "نقدر " : و "نقدر " : مخففا ومثقلا ، "ويقدر " : بالياء بالتخفيف ، و"يقدر " ، و"يقدر " : على البناء للمفعول مخففا ومثقلا ، وفسرت بالتضييق عليه ، وبتقدير الله عليه عقوبة ، وعن : أنه دخل على ابن عباس فقال : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك ، قال : وما هي يا معاوية ، فقرأ هذه الآية ، وقال : أويظن نبي الله ألا يقدر عليه ؟ قال : هذا من القدر لا من القدرة ، والمخفف يصح أن يفسر بالقدرة ، على معنى : أن لن نعمل فيه قدرتنا ، وأن يكون من باب التمثيل ، بمعنى : فكانت حاله ممثلة بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه ، من غير انتظار لأمر الله . ويجوز أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان ، ثم يردعه ويرده بالبرهان ، كما يفعل المؤمن المحقق بنزغات الشيطان وما يوسوس إليه في كل وقت ؛ ومنه قوله تعالى : معاوية وتظنون بالله الظنونا [الأحزاب : 10 ] ، والخطاب للمؤمنين " في الظلمات " [البقرة :275 ] أي : في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت ؛ كقوله : ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات [البقرة : 17 ] ، وقوله : يخرجونهم من النور إلى الظلمات [ ص: 162 ] [البقرة : 257 ] وقيل : ظلمات بطن الحوت والبحر والليل ، وقيل : ابتلع حوته حوت أكبر منه ، فحصل في ظلمتي بطني الحوتين وظلمة البحر ، أي : بأنه لا إله إلا أنت ، أو بمعنى "أي " ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم - : "ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له " ، وعن : ما نجاه والله إلا إقراره على نفسه بالظلم . الحسن