ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا
"ينسفها " : يجعلها كالرمل ، ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذري الطعام ، "فيذرها " ، أي : فيذر مقارها ومراكزها ، أو يجعل الضمير للأرض ، وإن لم يجر لها ذكر ؛ كقوله تعالى : ما ترك على ظهرها من دابة [فاطر : 45 ] .
فإن قلت : قد فرقوا بين العوج والعوج ، فقالوا : العوج بالكسر : في المعاني ، والعوج بالفتح : في الأعيان ، والأرض عين ، فكيف صح فيها المكسور العين ؟
[ ص: 110 ] قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ، ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون ؛ وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية ؛ لعثر فيها على عوج في غير موضع ، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي ، فنفى الله -عز وعلا- ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك ، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة ؛ وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني ، فقيل فيه : عوج بالكسر ، الأمت : النتو اليسير ، يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت .