عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش ؛ وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا ، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا ، وإذا اتفق أن يماس أحدا رجلا أو امرأة ، حم الماس والممسوس ، فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصيح : لا مساس ، وعاد في الناس أوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم ، ومن الوحشي النافر في البرية ، ويقال : إن قومه باق فيهم ذلك إلى اليوم ، وقرئ : "لا مساس " : بوزن فجار ؛ ونحوه قولهم في الظباء ، إذا وردت الماء : فلا عباب ، وإن فقدته : فلا أباب ، وهي أعلام للمسة والعبة والأبة ، وهي المرة من الأب وهو الطلب ، لن تخلفه أي : لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ، ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك بذلك في الدنيا ، فأنت ممن خسر الدنيا والآخرة ؛ ذلك هو الخسران المبين ، وقرئ : "لن تخلفه " ، وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا ؛ قال الأعشى : [من الكامل ]
أثوى وأقصر ليله ليزودا . . . فمضى وأخلف من قتيلة موعدا
[ ص: 107 ] وعن "نخلفه " : بالنون ، أي : لن يخلفه الله ، كأنه حكى قوله عز وجل كما مر في ابن مسعود لأهب لك [مريم : 19 ] ، "ظلت" وظلت ، وظللت والأصل : ظللت ، فحذفوا اللام الأولى ، ونقلوا حركتها إلى الظاء ، ومنهم من لم ينقل : "لنحرقنه" ولنحرقنه ، ولنحرقنه . وفي حرف : "لنذبحنه " ، و "لنحرقنه" و "لنحرقنه " : القراءتان من الإحراق ، وذكر ابن مسعود في لنحرقنه أنه يجوز أن يكون حرق مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد ، وعليه القراءة الثالثة ، وهي قراءة أبو علي الفارسي ، رضي الله عنه "لننسفنه " : بكسر السين وضمها ، وهذه عقوبة ثالثة ، وهي : إبطال ما افتتن به وفتن ، وإهدار سعيه ، وهدم مكره : علي بن أبي طالب ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين [آل عمران :54 ] .