وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى
وما أعجلك أي شيء عجل بك عنهم على سبيل الإنكار ، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب ، ثم تقدمهم شوقا إلى كلام ربه وتنجز ما وعد به ؛ بناء على اجتهاده وظنه أن ذلك أقرب إلى رضا الله تعالى ، وزل عنه أنه -عز وجل- ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة ، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ، فالمراد بالقوم : النقباء ، وليس لقول من جوز أن يراد جميع قومه ، وأن يكون قد فارقهم قبل الميعاد وجه صحيح ، يأباه قوله : هم أولاء على أثري وعن أبي عمرو ويعقوب : "إثري " : بالكسر ، وعن : "أثري " : بالضم ، وعنه أيضا - : "أولى بالقصر " ، والإثر : أفصح من الأثر ، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدون في الأصول ، يقال : إثر السيف وأثره ، وهو بمعنى : الأثر غريب . عيسى بن عمر
فإن قلت : " ما أعجلك " سؤال عن سبب العجلة ، فكان الذي ينطبق عليه من [ ص: 102 ] الجواب أن يقال : طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك ، وقوله : هم أولاء على أثري كما ترى غير منطبق عليه .
قلت : قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين ، أحدهما : إنكار العجلة في نفسها ، والثاني : السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه ، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه ، فاعتل بأنه لم يوجد مني إلا تقدم يسير ، مثله لا يعتد به في العادة ولا يحتفل به ، وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم ، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال : وعجلت إليك رب لترضى ، ولقائل أن يقول : حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله ، فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام .