وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا
وإن منكم : التفات إلى الإنسان ، يعضده قراءة ابن عباس -رضي الله عنهما - : "وإن منهم " ، أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور ، فإن أريد الجنس كله فمعنى الورود : دخولهم فيها وهي جامدة ، فيعبرها المؤمنون وتنهار بغيرهم ، عن وعكرمة -رضي الله عنه - : يردونها كأنها إهالة ، وروي دواية ، ابن عباس وعن ؛ أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك ؟ فقال : "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض : [ ص: 44 ] أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : قد وردتموها وهي جامدة " جابر بن عبد الله ، إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا من بردها " ، وأما قوله تعالى : وعنه -رضي الله عنه- أنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : "الورود : الدخول ، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ؛ كما كانت على أولئك عنها مبعدون ، فالمراد : عن عذابها ، وعن ابن مسعود والحسن : هو الجواز على الصراط ؛ لأن الصراط ممدود عليها ، وعن وقتادة : قد يرد الشيء الشيء ولا يدخله ؛ كقوله تعالى : ابن عباس ولما ورد ماء مدين [القصص : 23 ] ، ووردت القافلة البلد ، وإن لم تدخله ولكن قربت منه ، وعن : ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا ، بقوله -عليه السلام - : مجاهد ، وفي الحديث : "الحمى من فيح جهنم " ، ويجوز أن يراد بالورود : جثوهم حولها ، وإن أريد الكفار خاصة ، فالمعنى بين . "الحمى [ ص: 45 ] حظ كل مؤمن من النار "
[ ص: 46 ] الحتم : مصدر حتم الأمر إذا أوجبه ، فسمي به الموجب ؛ كقولهم : خلق الله ، وضرب الأمير ، أي : كان ورودهم واجبا على الله ، أوجبه على نفسه وقضى به ، وعزم على ألا [ ص: 47 ] يكون غيره ، قرئ : "لننجينه " ، و "ننجي" و "ينجي و ينجى " : على ما لم يسم فاعله ، إن أريد الجنس بأسره فهو ظاهر ، وإن أريد الكفرة وحدهم فمعنى : ثم ننجي الذين اتقوا : أن المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار ، لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون ، وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس والجحدري : "ثم ننجي " : بفتح الثاء ، أي : هناك ، وقوله : وابن أبي ليلى ونذر الظالمين فيها جثيا : دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها ، وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد تجاثيهم ، وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين .