قوله عز وجل: وقالت اليهود عزير ابن الله الآية. أما قول اليهود ذلك فسببه أن بختنصر لما أخرب بيت المقدس أحرق التوراة حتى لم يبق بأيديهم شيء منها ، ولم يكونوا يحفظونها بقلوبهم ، فحزنوا لفقدها وسألوا الله تعالى ردها عليهم ، فقذفها الله في قلب عزير ، فحفظها وقرأها عليهم فعرفوها فلأجل ذلك قالوا إنه ابن الله. واختلف على ثلاثة أقاويل: أحدها: أن ذلك كان قول جميعهم ، وهو مروي عن فيمن قال ذلك . [ ص: 353 ] والثاني: أنه قول طائفة من سلفهم. والثالث: أنه قول جماعة ممن كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. واختلف فيهم على قولين: أحدهما: أنه ابن عباس فنحاص وحده ، ذكر ذلك عبيد بن عمير . والثاني: أنهم جماعة وهم وابن جريج سلام بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ، وهذا مروي عن ومالك بن الصيف . فإن قيل: فإذا كان ذلك قول بعضهم فلم أضيف إلى جميعهم؟ قيل: لأن من لم يقله عند نزول القرآن لم ينكره ، فلذلك أضيف إليهم إضافة جمع وإن تلفظ به بعضهم. ابن عباس وقالت النصارى المسيح ابن الله وهذا قول جميعهم ، واختلف في على قولين: أحدهما: أنه لما خلق من غير ذكر من البشر قالوا: إنه ابن الله ، تعالى الله عن ذلك. سبب قولهم لذلك
الثاني: أنهم قالوا ذلك لأجل من أحياه من الموتى وأبرأه من المرضى. ذلك قولهم بأفواههم معنى ذلك: وإن كانت الأقوال كلها من الأفواه: أنه لا يقترن به دليل ولا يعضده برهان ، فصار قولا لا يتجاوز الفم فلذلك خص به. يضاهئون قول الذين كفروا من قبل أي يشابهون ، مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء إذا لم تحض تشبيها بالرجال ومنه ما جاء في الحديث: (أجرأ الناس على الله تعالى الذين يضاهئون خلقه) أي يشبهون به. وفيهم ثلاثة أقاويل: أحدها: أن قولهم ذلك يضاهي قول عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة وأن الملائكة بنات الله ، قاله ابن عباس . والثاني: أن قول النصارى وقتادة المسيح ابن الله يضاهي قول اليهود عزير ابن الله ، قاله والثالث: أنهم في تقليد أسلافهم يضاهون قول من تقدمهم ، قاله الطبري. . الزجاج قاتلهم الله فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: معناه لعنهم الله ، قاله ومنه قول ابن عباس عبيد بن الأبرص: [ ص: 354 ]
قاتلها الله تلحاني وقد علمت أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
والثاني: معناه قتلهم الله ، قاله بعض أهل العربية. والثالث: أن الله تعالى فيما أعده لعذابهم وبينه من عداوتهم التي هي في مقابلة عصيانهم وكفرهم كأنه لهم. مقاتل أنى يؤفكون معناه كيف يصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب. قوله عز وجل: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أما الأحبار منهم العلماء ، واحدهم حبر سمي بذلك لأنه يحبر المعاني أي يحسنها بالبيان عنها. وأما الرهبان فجمع راهب ، مأخوذ من رهبة الله تعالى وخشيته ، غير أنه صار بكثرة الاستعمال يتناول نساك النصارى. وقوله: أربابا من دون الله يعني آلهة لقبولهم منهم تحريم ما يحرمونه عليهم وتحليل ما يحلونه لهم ، فلذلك صاروا لهم كالأرباب وإن لم يقولوا إنهم أرباب ، وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ ص: 355 ]