بسم الله الرحمن الرحيم
والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون
قوله تعالى والذاريات ذروا الذاريات: الرياح ، واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء ، كما قال تعالى فأصبح هشيما تذروه الرياح وفي قوله ذروا وجهان:
أحدهما: مصدر.
الثاني: أنه بمعنى ما ذرت ، قاله . فكأنما أقسم بالرياح وما ذرت الرياح. الكلبي
ويحتمل قولا ثالثا: أن الذاريات النساء الولودات لأن في ترائبهن ذرو الخلق ، لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات ، وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده [ ص: 361 ] الصالحين ، وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين.
أحدهما: لأنهن أوعية دون الرجال فلاجتماع الذروين خصصن بالذكر.
الثاني: أن الذرو فيهن أطول زمانا وهن بالمباشرة أقرب عهدا. فالحاملات وقرا فيها قولان:
أحدهما: أنها السحب [يحملن] وقرا بالمطر.
الثاني أنها الرياح [يحملن] وقرا بالسحاب ، فتكون الريح الأولى مقدمة السحاب لأن أمام كل سحابة ريحا ، والريح الثانية حاملة السحاب. لأن السحاب لا يستقل ولا يسير إلا بريح. وتكون الريح الثانية تابعة للريح الأولى من غير توسط ، قاله ابن بحر .
ويجري فيه احتمال قول ثالث: أنهن الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل ، والوقر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن ، وبالفتح ثقل الأذن. فالجاريات يسرا فيها قولان:
أحدهما: السفن تجري بالريح يسرا إلى حيث سيرت.
الثاني: أنه السحاب ، وفي جريها يسرا على هذا القول وجهان:
أحدهما: إلى حيث يسيرها الله تعالى من البقاع والبلاد.
الثاني: هو سهولة تسييرها ، وذلك معروف عند العرب كما قال الأعشى
كأن مشيتها من بيت جارتها مشي السحابة لا ريث ولا عجل
فالمقسمات أمرا فيه قولان:أحدهما: أنه السحاب يقسم الله به الحظوظ بين الناس.
الثاني: ، قاله الملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه . وهم: الكلبي جبريل وهو صاحب الوحي والغلظة ، وميكائيل وهو صاحب الرزق والرحمة ، وإسرافيل وهو صاحب الصور واللوح ، وعزرائيل وهو ملك الموت وقابض الأرواح ، عليهم السلام. [ ص: 362 ] والواو التي فيها واو القسم ، أقسم الله بها لما فيها من الآيات والمنافع. إنما توعدون لصادق فيه وجهان:
أحدهما: إن يوم القيامة لكائن ، قاله . مجاهد
الثاني: ما توعدون من الجزاء بالثواب والعقاب حق ، وهذا جواب القسم. وإن الدين لواقع فيه وجهان:
أحدهما: إن الحساب لواجب ، قاله . مجاهد
الثاني: [أن] الدين الجزاء ومعناه أن جزاء أعمالكم بالثواب والعقاب لكائن ، وهو معنى قول ، ومنه قول قتادة لبيد.
قوم يدينون بالنوعين مثلهما بالسوء سوء وبالإحسان إحسانا
أحدهما: أنها السحاب الذي يظل الأرض.
الثاني: وهو المشهور أنها السماء المرفوعة ، قال هي السماء السابعة. وفي عبد الله بن عمر: الحبك سبعة أقاويل:
أحدها: أن الحبك الاستواء ، وهو مروي عن على اختلاف. ابن عباس
الثاني: أنها الشدة ، وهو قول أبي صالح.
الثالث: الصفاقة ، قاله خصيف.
الرابع: أنها الطرق ، مأخوذ من حبك الحمام طرائق على جناحه، قاله الأخفش، . وأبو عبيدة
الخامس: أنه الحسن والزينة، قاله علي وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير ومنه قول الراجز
كأنما جللها الحواك كنقشة في وشيها حباك
مكلل بأصول النجم تنسجه ريح الشمال لضاحي مائة حبك
أحدها: يعني في أمر مختلف ، فمطيع وعاص ، ومؤمن وكافر ، قاله . السدي
الثاني: أنه القرآن فمصدق له ومكذب به ، قاله . قتادة
الثالث: أنهم أهل الشرك مختلف عليهم بالباطل ، قاله . ابن جريج
ويحتمل رابعا: أنهم عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره. وهذا جواب القسم الثاني. يؤفك عنه من أفك فيه ستة تأويلات:
أحدها: يضل عنه من ضل ، قاله . ابن عباس
الثاني: يصرف عنه من صرف ، قاله . الحسن
الثالث: يؤفن عنه من أفن ، قاله ، والأفن فساد العقل. مجاهد
الرابع: يخدع عنه من خدع ، قاله قطرب.
الخامس: يكذب فيه من كذب ، قاله مقاتل.
السادس: يدفع عنه من دفع ، قاله اليزيدي. قتل الخراصون فيه أربعة تأويلات:
أحدها: لعن المرتابون، قاله . ابن عباس
الثاني: لعن الكذابون، قاله . الحسن
الثالث: أنهم أهل الظنون والفرية، قاله . قتادة
الرابع: أنهم المنهمكون ، وهو مروي عن أيضا. وقوله ابن عباس قتل هاهنا، بمعنى لعن، والقتل اللعن. وأما الخراصون فهو جمع خارص. وفي الخرص هاهنا وجهان: [ ص: 364 ] أحدهما: أنه تعمد الكذب ، قاله الأصم.
الثاني: ظن الكذب ، لأن الخرص حزر وظن ، ومنه أخذ خرص الثمار. وفيما يخرصونه وجهان:
أحدهما: تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: وفي معنى الأربع تأويلات وقد تقدم ذكرها في أولها التكذيب بالبعث. الذين هم في غمرة ساهون فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في غفلة لاهون ، قاله . ابن عباس
الثاني: في ضلالاتهم متمادون ، وهو مروي عن أيضا. ابن عباس
الثالث: في عمى وشبهة يترددون ، قاله . قتادة
ويحتمل رابعا: الذين هم في مأثم المعاصي ساهون عن أداء الفرائض. يسألون أيان يوم الدين أي متى يوم الجزاء. وقيل: إن أيان كلمة مركبة من أي وآن. يوم هم على النار يفتنون في يفتنون ثلاثة أوجه:
أحدها: أي يعذبون ، قاله ، ومنه قول الشاعر ابن عباس
كل امرئ من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور مفتون
الثالث: يكذبون توبيخا وتقريعا زيادة في عذابهم. ذوقوا فتنتكم الآية. فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معنى فتنتكم أي عذابكم ، قاله ابن زيد.
الثاني: حريقكم ، قاله . مجاهد
الثالث: تكذيبكم ، قاله . ابن عباس