آخذين ما آتاهم ربهم فيه وجهان:
أحدهما: من الفرائض ، قاله . ابن عباس
الثاني: من الثواب ، قاله . الضحاك إنهم كانوا قبل ذلك محسنين أي قبل الفرائض محسنين بالإجابة، قاله . ابن عباس
الثاني: قبل يوم القيامة محسنين بالفرائض، قاله . الضحاك كانوا قليلا من الليل ما يهجعون فيه وجهان:
أحدهما: راجع على ما تقدم من قوله إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا بمعنى أن المحسنين كانوا قليلا ، ثم استأنف: من الليل ما يهجعون ، قاله . الضحاك
الثاني: أنه خطاب مستأنف بعد تمام ما تقدمه ، ابتداؤه كانوا قليلا ، الآية. والهجوع: النوم ، قال الشاعر
أزالكم الوسمي أحدث روضه بليل وأحداق الأنام هجوع
وفي تأويل ذلك أربعة أوجه:أحدها كانوا قليلا من الليل ما يهجعون أي ، قاله يستيقظون فيه فيصلون ولا ينامون إلا قليلا . الحسن
الثاني: أن منهم قليلا ما يهجعون للصلاة في الليل وإن كان أكثرهم هجوعا ، قاله . الضحاك
الثالث: أنهم كانوا في قليل من الليل ما يهجعون حتى يصلوا صلاة المغرب وعشاء الآخرة ، قاله أبو مالك.
الرابع: أنهم كانوا قليلا يهجعون ، وما: صلة زائدة ، وهذا لما كان قيام الليل [ ص: 366 ] فرضا. وكان أبو ذر يحتجن يأخذ العصا فيعتمد عليها حتى نزلت الرخصة قم الليل إلا قليلا وبالأسحار هم يستغفرون فيه وجهان:
أحدهما: وبالأسحار هم يصلون ، قاله . الضحاك
الثاني: أنهم كانوا يؤخرون إلى السحر ليستغفروا فيه ، قاله الاستغفار من ذنوبهم . قال الحسن وهو الوقت الذي أخر ابن زيد: يعقوب الاستغفار لبنيه حتى استغفر لهم فيه حين قال لهم سوف أستغفر لكم ربي [يوسف: 98] . قال والسحر السدس الأخير من الليل. وقيل إنما سمي سحرا لاشتباهه بين النور والظلمة. ابن زيد: وفي أموالهم حق فيه وجهان:
أحدهما: أنها الزكاة ، قاله ابن سيرين وقتادة وابن أبي مريم.
الثاني: أنه ، قاله حق سوى الزكاة تصل له رحما أو تقري به ضيفا أو تحمل به كلا أو تغني به محروما . ابن عباس للسائل والمحروم أما السائل فهو من يسأل الناس لفاقته ، وأما المحروم ، ففيه ثمانية أقوال:
أحدها: المتعفف الذي يسأل الناس شيئا ولا يعلم بحاجته ، قاله . قتادة
الثاني: أنه الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم ، قاله الحسن وروي ومحمد بن الحنفية. أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابوا وغنموا ، فجاء قوم بعدما فرغوا فنزلت الآية.
الثالث: أنه من ليس له سهم في الإسلام ، قاله . ابن عباس
الرابع: المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه ، وهذا قول عائشة.
الخامس: أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، وهو مروي عن أيضا. ابن عباس
السادس: أنه المصاب بثمره وزرعه يعينه من لم يصب ، قاله السابع: أنه المملوك ، قاله ابن زيد: [ ص: 367 ] الثامن: أنه الكلب ، روي أن عبد الرحمن بن حميد. كان في طريق عمر بن عبد العزيز مكة فجاء كلب فاحتز كتف شاة فرمى بها إليه وقال: يقولون إنه المحروم. عمر
ويحتمل تاسعا: أنه من وجبت نفقته من ذوي الأنساب لأنه قد حرم كسب نفسه ، حتى وجبت نفقته في مال غيره. وفي الأرض آيات للموقنين يعني عظات للمعتبرين من أهل اليقين وفيها وجهان:
أحدهما: ما فيها من الجبال والبحار والأنهار ، قاله مقاتل.
الثاني: من أهلك من الأمم السالفة وأباد من القرون الخالية ، قاله . الكلبي وفي أنفسكم أفلا تبصرون فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أنه سبيل الغائط والبول ، قاله ابن الزبير . ومجاهد
الثاني: تسوية مفاصل أيديكم وأرجلكم وجوارحكم دليل على أنكم خلقتم لعبادته ، قاله . قتادة
الثالث: في خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ، قاله ابن زيد.
الرابع: في حياتكم وموتكم وفيما يدخل ويخرج من طعامكم ، قاله . السدي
الخامس: في الكبر بعد الشباب ، والضعف بعد القوة ، والشيب بعد السواد ، قاله . الحسن
ويحتمل سادسا: أنه نجح العاجز وحرمان الحازم. وفي السماء رزقكم وما توعدون وفي السماء رزقكم فيه تأويلان:
أحدهما: ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق فهو رزق لهم من السماء ، قاله سعيد بن جبير . والضحاك
الثاني: يعني أن من عند الله الذي في السماء رزقكم. [ ص: 368 ] ويحتمل وجها ثالثا: وفي السماء تقدير رزقكم وما قسمه لكم مكتوب في أم الكتاب. وأما قوله وما توعدون ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: من خير وشر ، قاله . مجاهد
الثاني: من جنة ونار ، قاله . الضحاك
الثالث: من أمر الساعة ، قاله الربيع. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون فيه وجهان:
أحدهما: ما جاء به الرسول من دين وبلغه من رسالة.
الثاني: ما عد الله عليهم في هذه السورة من آياته وذكره من عظاته. قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحسن (قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم [بنفسه] ثم لم يصدقوه . وقد كان قس بن ساعدة في جاهليته ينبه بعقله على هذه العبر فاتعظ واعتبر ، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأيته على جمل له بعكاظ وهو يقول: أيها الناس اسمعوا وعوا ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا بالإقامة فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ، سقف مرفوع ، وليل موضوع ، وبحار تثور ، ونجوم تحور ثم تغور ، أقسم بالله قسما ما آثم فيه ، إن لله دينا هو أرضى من دين أنتم عليه. ثم تكلم بأبيات شعر ما أدري ما هي فقال كنت حاضرا إذ ذاك والأبيات عندي وأنشد أبو بكر:
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لامحا له حيث صار القوم صائر