يستبشرون مكرر للتأكيد وليتعلق به قوله تعالى : بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171) فحينئذ يكون بيانا وتفسيرا لقوله سبحانه : ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون لأن الخوف غم يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء ، والحزن غم يلحقه من فوات نافع أو حصول ضار ، فمن كان متقلبا في نعمة من الله تعالى وفضل منه سبحانه فلا يحزن أبدا ، ومن جعلت أعماله مشكورة غير مضيعة فلا يخاف العاقبة ، ويجوز أن يكون بيان ذلك النفي بمجرد قوله جل وعلا : بنعمة من الله وفضل من غير ضم ما بعده إليه ، وقيل : الاستبشار الأول بدفع المضار ولذا قدم ، والثاني بوجود المسار ، أو الأول لإخوانهم والثاني لهم أنفسهم ، ومن الناس من أعرب ( يستبشرون ) بدلا من الأول ، ولذا لم تدخل واو العطف عليه ، و ( من الله ) متعلق بمحذوف وقع صفة - لنعمة - مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية ، وجمع الفضل والنعمة مع أنهما كثيرا ما يعبر بهما عن معنى واحد ، إما للتأكيد وإما للإيذان بأن ما خصهم به سبحانه ليس نعمة على قدر الكفاية من غير مضاعفة سرور ولذة ، بل زائد عليها مضاعف فيها ذلك ، ونظيره قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وعطف وأن على ( فضل ) أو على (نعمة) وعلى التقديرين مضمون ما بعدها داخل في المستبشر به .
وقرأ (وإن) بكسر الهمزة على أنه تذييل لمضمون ما قبله من الآيات السابقة ، أو اعتراض بين التابع والمتبوع بناء على أن الموصول الآتي تابع للذين لم يلحقوا ، والمراد من المؤمنين إما الشهداء ، والتعبير عنهم بذلك للإعلام بسمو مرتبة الإيمان وكونه مناطا لما نالوه من السعادة ، وإما كافة المؤمنين ، وذكرت توفية أجورهم وعدت من جملة المستبشر به على ما اقتضاه العطف بحكم الأخوة في الدين ، واختار هذا الوجه كثير . الكسائي
ويؤيده ما أخرجه عن ابن أبي حاتم أن هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سوى الشهداء ، وقل ما ذكر الله تعالى فضلا ذكر به الأنبياء وثوابا أعطاهم إلا ذكر سبحانه ما أعطى الله تعالى المؤمنين من بعدهم ، وفي الآية إشعار بأن من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة . ابن زيد