فرحين جوز أن يكون حالا من الضمير في (يرزقون) أو من الضمير في (أحياء) أو من الضمير في الظرف ، وأن يكون نصبا على المدح ، أو الوصفية لأحياء في قراءة النصب ومعناه مسرورين .
بما آتاهم الله بعد انتقالهم من الدنيا من فضله متعلق بآتاهم ، و (من) إما للسببية أو لابتداء الغاية أو متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المحذوف العائد على الموصول ، و (من) للتبعيض ، والتقدير بما آتاهموه حال كونه كائنا بعض فضله .
والمراد بهذا المؤتى ضروب النعم التي ينالها الشهداء يوم القيامة أو بعد الشهادة ، أو نفس الفوز بالشهادة في سبيل الله تعالى . ويستبشرون أي يسرون بالبشارة ، وأصل الاستبشار طلب البشارة وهو الخبر السار إلا أن المعنى هنا على السرور استعمالا للفظ في لازم معناه ، وهو استئناف أو معطوف على فرحين لتأويله بيفرحون .
وجوز أن يكون التقدير وهم يستبشرون فتكون الجملة حالا من الضمير في فرحين أو من ضمير المفعول في آتاهم ، وإنما احتيج إلى تقدير مبتدأ عند جعلها حالا لأن المضارع المثبت إذا كان حالا لا يقترن بالواو .
بالذين لم يلحقوا بهم أي بإخوانهم الذين لم يقتلوا بعد في سبيل الله تعالى فيلحقوا بهم من خلفهم متعلق بيلحقوا ، والمعنى أنهم بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم .
ويجوز أن يكون حالا من فاعل يلحقوا أي لم يلحقوهم متخلفين عنهم باقين بعد في الدنيا .
ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون بدل من الذين بدل اشتمال مبين لكون استبشارهم بحال إخوانهم لا بذواتهم ، أي يستبشرون بما تبين لهم من حسن حال إخوانهم الذين تركوهم أحياء ، وهو أنهم عند قتلهم في سبيل الله تعالى يفوزون كما فازوا ، ويحوزون من النعيم كما حازوا ، وإلى هذا ذهب ابن جريج ، وقيل : إنه منصوب بنزع الخافض أي لئلا ، أو بأن لا وهو معمول ليستبشرون واقع موقع المفعول من أجله أي يستبشرون بقدوم إخوانهم الباقين بعدهم إليهم لأنهم لا خوف عليهم إلخ ، فالاستبشار حينئذ ليس بالأحوال . وقتادة
ويؤيد هذا ما روي عن أنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه يبشر بذلك فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا ، فضمير (عليهم) وما بعده على هذا راجع إلى (الذين) الأول ، وعلى الأول إلى الثاني . السدي
ومن الناس من فسر - الذين لم يلحقوا - بالمتخلفين في الفضل عن رتبة الشهداء وهم الغزاة الذين جاهدوا في سبيل الله تعالى ولم يقتلوا بل بقوا حتى ماتوا في مضاجعهم ، فإنهم وإن لم ينالوا مراتب الشهداء إلا أن لهم أيضا فضلا عظيما بحيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لمزيد فضل الجهاد ، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر من الآية ، وإن كان فضل الغزاة وإن لم يقتلوا مما لا يتناطح فيه كبشان .
و(أن) على كل تقدير هي المخففة واسمها ضمير الشأن ، وخبرها الجملة المنفية ، والمعنى (لا خوف عليهم) فيمن خلفوه من ذريتهم فإن الله تعالى يتولاهم .
ولا هم يحزنون على ما خلفوا من أموالهم لأن الله تعالى قد أجزل لهم العوض ، أو (لا خوف عليهم) فيما يقدمون عليه لأن الله تعالى محص ذنوبهم بالشهادة ، ولا هم يحزنون على مفارقة الدنيا فرحا بالآخرة ، أو (لا خوف عليهم) في الدنيا من القتل فإنه عين الحياة التي يجب أن يرغب فيها فضلا عن أن يخاف ويحذر ولا هم يحزنون على المفارقة ، وقيل : إن كلا هذين المنفيين فيما يتعلق بالآخرة ، والمعنى أنهم لا يخافون وقوع مكروه من أهوالها ، ولا يحزنون [ ص: 124 ] من فوات محبوب من نعيمها وهو وجه وجيه .
والمراد بيان دوام انتفاء ذلك لا بيان انتفاء دوامه كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا ، فإن النفي وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام ، وقد تقدمت الإشارة إليه .