يا قومنا أجيبوا داعي الله أرادوا به ما سمعوه من الكتاب ووصفوه بالدعوة إلى الله تعالى بعد ما وصفوه بالهداية إلى الحق والطريق المستقيم لتلازمهما، وفي الجمع بينهما ترغيب لهم في الإجابة أي ترغيب، وجوز أن يكون أرادوا به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وآمنوا به أي بداعي الله تعالى أو بالله عز وجل يغفر لكم من ذنوبكم أي بعض ذنوبكم قيل: وهو ما كان خالص حقه عز وجل فإن حقوق العباد لا تغفر بالإيمان. وتعقبه ابن المنير بأن جب إسلامه إثم ما تقدم بلا إشكال ثم قال ويقال: إنه لم يرد وعد المغفرة للكافرين على تقدير الإيمان في كتاب الله تعالى إلا مبعضة وهذا منه فإن لم يكن لاطراده كذلك سر فما هو إلا أن مقام الكافرين قبض لا بسط فلذلك لم يبسط رجاؤه في مغفرة جملة الذنوب، وقد ورد في حق المؤمنين كثيرا، ورده صاحب الإنصاف بأن مقام ترغيب الكافر في الإسلام بسط لا قبض وقد أمر الله تعالى أن يقول الحربي إذا نهب الأموال وسفك الدماء ثم حسن إسلامه لفرعون: قولا لينا وقد قال تعالى: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وهي غير مبعضة و ( ما ) للعموم لا سيما وقد وقعت في الشرط.
وقال بعض أجلة المحققين: إن الحربي وإن كان إذا أسلم لا تبقى عليه تبعة أصلا لكن الذمي إذا أسلم تبقى عليه حقوق الآدميين، والقوم- كما نقل عن - كانوا يهودا فتبقى عليهم تبعاتهم فيما بينهم إذا أسلموا جميعا من غير حرب فلما كان الخطاب معهم جيء بما يدل على التبعيض، وقيل: جيء به لعدم علم الجن بعد بأن الإسلام يجب إثم ما قبله مطلقا وفيه توقف، وقد يقال: أرادوا بالبعض الذنوب السالفة ولو لم يقولوا ذلك لتوهم المخاطبون أنهم إن أجابوا داعي الله تعالى وآمنوا به يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، وقيل: من زائدة أي يغفر لكم ذنوبكم عطاء ويجركم من عذاب أليم معد للكفرة، وهذا ونحوه يدل على أن الجن [ ص: 33 ] مكلفون، ولم ينص هاهنا على ثوابهم إذا أطاعوا، وعمومات الآيات تدل على الثواب، وعن لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها، ولعل الاقتصار هنا على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب والمقام مقام الإنذار فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب، وقيل: لا ثواب لمطيعيهم إلا النجاة من النار فيقال لهم: كونوا ترابا فيكونون ترابا، وهذا مذهب ابن عباس ليث بن أبي سليم وجماعة ونسب إلى الإمام رضي الله تعالى عنه، وقال أبي حنيفة النسفي في التيسير: توقف في ثواب الجن في الجنة ونعيمهم لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى ولم يقل بطريق الوعد في حقهم إلا المغفرة والإجارة من العذاب، وأما نعيم الجنة فموقوف على الدليل. أبو حنيفة
وقال إن مؤمني الجن حول الجنة في ربض وليسوا فيها، وقيل: يدخلون الجنة ويلهمون التسبيح والذكر فيصيبون من لذة ذلك ما يصيبه بنو عمر بن عبد العزيز آدم من لذائذهم، قال النووي في شرح صحيح : والصحيح أنهم يدخلونها ويتنعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما، وهذا مذهب مسلم الحسن البصري ومالك بن أنس والضحاك وغيرهم
وابن أبي ليلى