قالوا أي قال بعضهم لبعض أنصتوا اسكتوا لنسمعه، وفيه تأدب مع العلم وكيف يتعلم فلما قضي أتم وفرغ عن تلاوته. وقرأ أبو مجلز وحبيب بن عبد الله (قضى) بالبناء للفاعل وهو ضمير الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأيد بذلك عود ضمير حضروه إليه عليه الصلاة والسلام.
ولوا إلى قومهم منذرين مقدرين إنذارهم عند وصولهم إليهم، قيل: إنهم تفرقوا في البلاد فأنذروا من رأوه من الجن، وكان هؤلاء كما جاء في عدة روايات من جن نصيبين وهي من ديار بكر قريبة من الشام، وقيل: من نينوى وهي أيضا من ديار بكر لكنها قريبة من الموصل، وذكر أنهم كانوا من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا وعامة جنود إبليس منهم، وكان الحضور بوادي نخلة على نحو ليلة من مكة المكرمة. فقد أخرج أحمد والشيخان وعبد بن حميد والترمذي وجماعة والنسائي قال: انطلق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في طائفة من أصحابه إلى سوق ابن عباس عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو وأصحابه بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا [ ص: 31 ] له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهناك حين رجعوا إلى قومهم. عن
وفي رواية عن ابن المنذر عبد الملك أنهم لما حضروه قالوا: أنصتوا فلما قضى وفرغ صلى الله تعالى عليه وسلم من صلاة الصبح ولوا إلى قومهم منذرين مؤمنين لم يشعر بهم حتى نزل قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن .
وفي الصحيحين عن عن مسروق أنه آذنته صلى الله تعالى عليه وسلم بهم شجرة وكانوا على ما روي عن ابن مسعود سبعة وكذا قال زر وذكر منهم زوبعة، وأخرج ابن عباس عن ابن أبي حاتم أنهم كانوا سبعة. ثلاثة من أهل مجاهد حران، وأربعة من نصيبين وكانت أسماؤهم حسى ومسى وشاصر وماصر والأردوانيان وسرق والأحقم. بميم آخره، وفي رواية عن كعب الأحقب بالباء، وذكر صاحب الروض بدل حسى ومسى منشئ وناشئ. وأخرج ابن جرير والطبراني عن وابن مردويه أنه قال في هؤلاء النفر: كانوا تسعة عشر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رسلا إلى قومهم، والخبر السابق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان حين حضر الجن مع طائفة من أصحابه، وأخرج ابن عباس عبد بن حميد وأحمد ومسلم والترمذي وأبو داود قال: قلت علقمة لابن مسعود : هل صحب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا: استطير أو اغتيل فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فأخبرناه فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن معه أحد من أصحابه ولم يشعر به أحد منهم. عن
وأخرج أحمد أنه قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وأخذت إداوة ولا أحسبها إلا ماء حتى إذا كنا بأعلى ابن مسعود مكة رأيت أسودة مجتمعة قال: فخط لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قال: قم هاهنا حتى آتيك ومضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إليهم فرأيتهم يتثورون إليه فسمر معهم ليلا طويلا حتى جاءني مع الفجر فقال لي: هل معك من وضوء قلت: نعم ففتحت الإداوة فإذا هو نبيذ فقلت: ما كنت أحسبها إلا ماء فإذا هو نبيذ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ثمرة طيبة وماء طهور فتوضأ منها ثم قام يصلي فأدركه شخصان منهم فصفهما خلفه ثم صلى بنا فقلت: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: جن نصيبين. عن
فهذا يدل على خلاف ما تقدم والجمع بتعدد واقعة الجن، وقد أخرج في الأوسط الطبراني عن وابن مردويه أنه قال: صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، وذكر الحبر الخفاجي أنه قد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات ويجمع بذلك اختلاف الروايات في عددهم وفي غير ذلك، فقد أخرج أبو نعيم والواقدي عن قال: انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن كعب الأحبار نخلة وهم فلان وفلان وفلان والأردوانيان والأحقب جاؤوا قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهم ثلاثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحقب فسلم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك فواعده رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لساعة من الليل بالحجون.
وأخرج عن ابن أبي حاتم أنه قال في الآية: هم اثنا عشر ألفا من جزيرة عكرمة الموصل، وفي الكشاف حكاية هذا العدد أيضا وأن السورة التي قرأها صلى الله تعالى عليه وسلم عليهم اقرأ باسم ربك ، ونقل في [ ص: 32 ] البحر عن ابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أنه عليه الصلاة والسلام قرأ عليهم سورة الرحمن فكان إذا قال: ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) قالوا: لا بشيء من آيات ربنا نكذب ربنا لك الحمد، وأخرج في الدلائل أبو نعيم والواقدي عن قال: قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الجن في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة وفي معناه ما قيل: كانت القصة قبل الهجرة بثلاث سنين بناء على ما صح عن أبي جعفر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مكث ابن عباس بمكة يوحى إليه ثلاث عشرة سنة وفي المسألة خلاف والمشهور ما ذكر.
وقيل: كان استماع الجن في ابتداء الإيحاء قالوا أي عند رجوعهم إلى قومهم يا قومنا إنا سمعنا كتابا جليل الشأن أنزل من بعد موسى ذكروه دون عيسى عليهما السلام لأنه متفق عليه عند أهل الكتابين ولأن الكتاب المنزل عليه أجل الكتب قبل القرآن وكان عيسى عليه السلام مأمورا بالعمل بمعظم ما فيه أو بكله، وقال : لأنهم كانوا على اليهودية ويحتاج إلى نقل صحيح، وعن عطاء أن الجن لم تكن سمعت بأمر ابن عباس عيسى عليه السلام فلذا قالوا ذلك، وفيه بعد فإن اشتهار أمر عيسى عليه السلام وانتشار أمر دينه أظهر من أن يخفى لا سيما على الجن، ومن هنا قال : إن هذا لا يصح عن أبو حيان ابن عباس مصدقا لما بين يديه من التوراة أو جميع الكتب الإلهية السابقة يهدي إلى الحق من العقائد الصحيحة وإلى طريق مستقيم من الأحكام الفرعية أو ما يعمها وغيرها من العقائد على أنه من ذكر العام بعد الخاص.