وقوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32433_32435_32436_34108_29012nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات في يومين تفسيرا وتفصيلا لتكوين السماء المجمل المعبر عنه بالأمر وجوابه لا أنه فعل مترتب على تكوينهما أي خلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة في وقتين وضمير ( هن ) إما للسماء على المعنى لأنه بمعنى السماوات ولذا قيل : هو اسم جمع - فسبع - حال من الضمير وإما مبهم يفسره ما بعده على أنه تمييز فهو له وإن تأخر لفظا ورتبة لجوازه في التمييز نحو ربه رجلا وهو وجه عربي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : انتصب ( سبع ) على الحال وهو حال مقدرة ، وقال بعضهم : بدل من الضمير ، وقيل : مفعول به والتقدير قضى منهن سبع سماوات ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي : على أنه مفعول ثان على تضمين القضاء معنى التصيير ولم يذكر مقدار زمن خلق الأرض وخلق ما فيها اكتفاء بذكره في بيان تقديرهما ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وأوحى في كل سماء أمرها عطفا على ( قضاهن ) أي خلق في كل منها ما استعدت له واقتضت الحكمة أن يكون فيها من الملائكة والنيرات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى كما يقتضيه كلام السدي . وقتادة فالوحي عبارة عن التكوين كالأمر مقيد بما قيد به المعطوف عليه من الوقت أو أوحى إلى أهل كل منها أوامره وكلفهم
[ ص: 104 ] ما يليق بهم من التكاليف كما قيل : فالوحي بمعناه المشهور من بين معانيه ومطلق عن القيد المذكور أو مقيد به فيما أرى ، واحتمال التقييد والإطلاق جار في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وزينا السماء الدنيا بمصابيح أي من الكواكب وهي فيها وإن تفاوتت في الارتفاع والانخفاض على ما يقتضيه الظاهر أو بعضها فيها وبعضها فيما فوقها لكنها لكونها كلها ترى متلألئة عليها صح كون تزيينها بها ، والالتفات إلى نون العظمة لإبراز مزيد العناية ، وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وحفظا فهو مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على قوله تعالى : ( زينا ) أي وحفظناها حفظا ، والضمير للسماء وحفظها إما من الآفات أو من الشياطين المسترقة للسمع وتقدم الكلام في ذلك وقيل الضمير للمصابيح وهو خلاف الظاهر ، وجوز كونه مفعولا لأجله على المعنى أي معطوفا على مفعول له يتضمنه الكلام السابق أي زينة وحفظا ، ولا يخفى أنه تكلف بعيد لا ينبغي القول به مع ظهور الأول وسهولته كما أشار إليه في البحر .
وجعل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12ذلك إشارة إلى جميع الذي ذكر بتفاصيله أي ذلك المذكور
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12تقدير العزيز العليم أي البالغ في القدرة والبالغ في العلم ، ثم قال صاحب الإرشاد بعد ما سمعت مما حكي عنه : فعلى هذا لا دلالة في الآية الكريمة على الترتيب بين إيجاد الأرض وإيجاد السماء وإنما الترتيب بين التقدير أي تقدير إيجاد الأرض وما فيها وإيجاد السماء وأما على تقدير كون الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة فهي تدل على تقدم خلق الأرض وما فيها وعليه إطباق أكثر أهل التفسير ، ولا يخفى عليك أن حمل تلك الأفعال على ما حملها عليه خلاف الظاهر كما هو مقر به ، وعدم التعرض لخلق الأرض وما فيها بالفعل كما تعرض لخلق السماوات كذلك لا يلائم دعوى الاعتناء التي أشار إليها في بيان وجه تخصيص البيان بما يتعلق بالأرض وما فيها على أن خلق ما فيها بالفعل غير ظاهر من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين لا سيما وقد ذكرت الأرض قبل مستقلة وذكر ما فيها مستقلا فلا يتبادر من الأرض هنا إلا تلك الأرض المستقلة لا هي مع ما فيها ، وأمر تقدم خلق الأرض وتأخره سيأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه . وقيل : إن إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة وفيه جمع بين معنيين مجازيين حيث شبه البروز من العدم وبسط الأرض وتمهيدها بالإتيان من مكان آخر وفي صحة الجمع بينهما كلام على أن في كون الدحو مؤخرا عن جعل الرواسي كلاما أيضا ستعرفه إن شاء الله تعالى ، وقيل : المراد لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما وأيد بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد «آتيا » و «قالتا أتينا » على أن ذلك من المواتاة بمعنى الموافقة ، قال
الجوهري : تقول آتيته على ذلك الأمر مواتاة إذا وافقته وطاوعته لأن المتوافقين يأتي كل منهما صاحبه وجعل ذلك من المجاز المرسل وعلاقته اللزوم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : هي المسارعة وهو حسن أيضا ولم يجعله أكثر الأجلة من الإيتاء لأنه غير لائح وجعله
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية منه وقدر المفعول أي أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما وما تقدم أحسن وما أسلفناه في أول الأوجه من الكلام يأتي نحوه هنا كما لا يخفى .
واختلف الناس في أمر التقدم والتأخر في خلق كل من السماوات وما فيها والأرض وما فيها وذلك للآيات والأحاديث التي ظاهرها التعارض فذهب بعض إلى تقدم خلق الأرض لظاهر هذه الآية حيث ذكر فيها أولا خلق الأرض وجعل الرواسي فيها وتقدير الأقوات ثم قال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء .. إلخ . وأبى أن يكون الأمر بالإتيان للأرض أمر تكوين ، ولظاهر قوله تعالى : في آية [البقرة : 29]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات [ ص: 105 ] وأول آية النازعات أعني قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رفع سمكها فسواها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وأغطش ليلها وأخرج ضحاها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30والأرض بعد ذلك دحاها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=31أخرج منها ماءها ومرعاها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=32والجبال أرساها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=33متاعا لكم ولأنعامكم [النازعات : 27 - 33] لما أن ظاهره يدل على تأخر خلق الأرض وما فيها من الماء والمرعى والجبال لأن ذلك إشارة إلى السابق وهو رفع السمك والتسوية ، والأرض منصوب بمضمر على شريطة التفسير أي ودحا الأرض بعد رفع السماء وتسويتها دحاها.. إلخ . بأن الأرض منصوب بمضمر نحو تذكر وتدبر أو اذكر الأرض بعد ذلك لا بمضمر على شريطة التفسير أو به وبعد ذلك إشارة إلى المذكور سابقا من ذكر خلق السماء لا خلق السماء نفسه ليدل على أنه متأخر في الذكر عن خلق السماء تنبيها على أنه قاصر في الأول لكنه تتميم كما تقول جملا ثم تقول بعد ذلك كيت وكيت وهذا كثير في استعمال
العرب والعجم ، وكأن بعد ذلك بهذا المعنى عكسه إذا استعمل لتراخي الرتبة والتعظيم وقد تستعمل ثم أيضا بهذا المعنى وكذا الفاء ، وبعضهم يذهب في الجواب إلى ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال : رأيت أشياء تختلف علي في القرآن قال : هات ما اختلف عليك من ذلك فقال : أسمع الله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض - حتى بلغ -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11طائعين فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماء ثم قال سبحانه في الآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أم السماء بناها - ثم قال -
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30والأرض بعد ذلك دحاها فبدأ جل شأنه بخلق السماء قبل خلق الأرض . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أما خلق الأرض في يومين فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض ، وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30والأرض بعد ذلك دحاها يقول جعل فيها جبلا وجعل فيها نهرا وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحورا . انتهى . قال
الخفاجي : يعني أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=31أخرج منها ماءها بدل أو عطف بيان لدحاها بمعنى بسطها مبين للمراد منه فيكون تأخرها في هذه الآية ليس بمعنى تأخر ذاتها بل بمعنى تأخر خلق ما فيها وتكميله وترتيبه بل خلق التمتع والانتفاع به فإن البعيدة كما تكون باعتبار نفس الشيء تكون باعتبار جزئه الأخير وقيده المذكور كما لو قلت : بعثت إليك رسولا ثم كنت بعثت فلانا لينظر ما يبلغه فبعث الثاني وإن تقدم لكن ما بعث لأجله متأخر عنه فجعل نفسه متأخرا . فإن قلت : كيف هذا مع ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره وصححوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا
أن اليهود أتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال عليه الصلاة والسلام : «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال وما فيهن من المنافع يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة فقال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة » فإنه يخالف الأول لاقتضائه خلق ما في الأرض من الأشجار والأنهار ونحوها قبل خلق السماء قلت : الظاهر حمله على أنه خلق فيما ذكر مادة ذلك وأصوله إذ لا يتصور العمران والخراب قبل خلق السماء فعطفه عليه قرينة لذلك فلا تعارض بين الحديثين كما أنه ليس بين الآيات اختلاف . انتهى كلام
الخفاجي ، ولا يخفى أن قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس [ ص: 106 ] السابق نص في أن جعل الجبال في الأرض بعد خلق السماء وهو ظاهر آية النازعات إذا كان بعد ذلك معتبرا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=32والجبال أرساها [النازعات : 32] وآية حم السجدة ظاهرة في أن جعل الجبال قبل خلق السماوات ، ثم إن رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير المذكورة عنه مخالفة لخبر
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662005«أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيدي فقال : خلق الله تعالى التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل » واستدل في شرح المهذب بهذا الخبر على أن السبت أول أيام الأسبوع دون الأحد ونقله عن أصحابه الشافعية وصححه
الأسنوي nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر ، وقال العلامة
ابن حجر : هو الذي عليه الأكثرون وهو مذهبنا يعني الشافعية كما في الروضة وأصلها بل قال
السهيلي في روضه لم يقل بأن أوله الأحد إلا
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وجرى
النووي في موضع على ما يقتضي أن أوله الأحد فقال : في يوم الاثنين سمي به لأنه ثاني الأيام . وأجيب بأنه جرى في توجيه التسمية المكتفي فيه بأدنى مناسبة على القول الضعيف .
وانتصر
nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال من الشافعية لكون أوله الأحد بأن الخبر المذكور تفرد به
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وقد تكلم عليه الحفاظ على
ابن المدائني nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وغيرهما وجعلوه من كلام
كعب وأن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة إنما سمعه منه ولكن اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا . وأجيب بأن من حفظ الرفع حجة على من لم يحفظه والثقة لا يرد حديثه بمجرد الظن ولأجل ذلك أعرض مسلم عما قاله أولئك واعتمد الرفع وخرج طريقه في صحيحه فوجب قبولها .
وذكر
أحمد بن أحمد المقرئ المالكي أن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رواه أيضا في مسنده عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا بلفظ
شبك بيدي أبو القاسم صلى الله تعالى عليه وسلم وقال : «خلق الله تعالى الأرض يوم السبت » الحديث ، وفي الدر المنثور عدة أخبار عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ناطقة بأن مبدأ خلق الأرض كان يوم الأحد ، وفيه أيضا أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال :
«جاء اليهود إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا ما خلق الله تعالى من الخلق في هذه الأيام الستة فقال : خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء وخلق السماوات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات يعني من يوم الجمعة وخلق في أول ساعة الآجال وفي الثانية الآفة وفي الثالثة آدم قالوا : صدقت إن تممت فعرف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما يريدون فغضب فأنزل الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38وما مسنا من لغوب nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=39فاصبر على ما يقولون .
واليهود قاطبة على أن أول الأسبوع يوم الأحد احتجاجا بما يسمونه التوراة وظاهره الاشتقاق يقتضي ذلك .
ومن ذهب إلى أن الأول السبت قال : لا حجة في ذلك لأن التسمية لم تثبت بأمر من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فلعل اليهود وضعوا أسماء الأسبوع على ما يعتقدون فأخذتها
العرب عنهم ولم يرد في القرآن إلا الجمعة والسبت وليسا من أسماء العدد على أن هذه التسمية لو ثبتت عن
العرب لم يكن فيها دليل لأن
العرب تسمي خامس الورد ربعا وتاسعه عشرا وهذا هو الذي أخذ منه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قوله الذي كاد ينفرد به أن يوم عاشوراء هو يوم تاسع المحرم وتاسوعاء هو يوم ثامنه ، ولا يخفى أن الجواب الأول خارج عن الإنصاف فلأيام الأسبوع عند
العرب أسماء أخر فيها ما يدل على ذلك أيضا ، وهي أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار ، ولا يسوغ لمنصف أن يظن أن
العرب تبعوا في ذلك اليهود وجاء الإسلام وأقرهم على ذلك ، وليت شعري إذا كانت تلك الأسماء وقعت متابعة لليهود فما الأسماء الصحيحة التي وضعها واضع
[ ص: 107 ] لغة
العرب غير تابع فيها لليهود ، والجواب الثاني خلاف الظاهر جدا .
ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي في البسيط عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل أن خلق السماء مقدم على إيجاد الأرض فضلا عن دحوها واختاره
الإمام ونسبه بعضهم إلى المحققين من المفسرين وأولوا الآية بأن الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد بل هو عبارة عن التقدير ، والمراد به في حقه تعالى حكمه تعالى أن سيوجد وقضاؤه عز وجل بذلك مثله في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [آل عمران : 59] ولا بد على هذا من تأويل ( جعل وبارك ) بنحو ما سمعت عن الإرشاد ، وجوز أن يبقى خلق وكذا ما بعده على ما يتبادر منه ويكون الكلام على إرادة الإرادة كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة [المائدة : 6] أي بالذي أراد خلق الأرض في يومين وأراد أن يجعل فيها رواسي وقالوا : إن ثم للتفاوت في الرتبة المنزلة منزلة التراخي الزماني كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا [البلد : 17] فإن اسم كان ضمير يرجع إلى فاعل
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فلا اقتحم [البلد : 11] وهو الإنسان الكافر وقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فك رقبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أو إطعام في يوم ذي مسغبة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يتيما ذا مقربة nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أو مسكينا ذا متربة [البلد : 13 - 16] تفسير للعقبة ، والترتيب الظاهري يوجب تقديم الإيمان عليه لكن ثم هنا للتراخي في الرتبة مجازا ، وفي الكشف أن ما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي لا إشكال فيه ويتعين ( ثم ) في هذه السورة والسجدة على تراخي الرتبة وهو أوفق لمشهور قواعد الحكماء لكن لا يوافق ما جاء من أن الابتداء من يوم الأحد كان ، وخلق السماوات وما فيها من يوم الخميس والجمعة وفي آخر يوم الجمعة تم خلق
آدم عليه السلام ، وفي البحر الذي نقوله : إن الكفار وبخوا وقرعوا بكفرهم بمن صدرت عنه هذه الأشياء جميعها من غير ترتيب زماني وإن ( ثم ) لترتيب الأخبار لا لترتيب الزمان والمهلة كأنه قال سبحانه بالذي أخبركم أنه خلق الأرض وجعل فيها رواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ثم أخبركم أنه استوى إلى السماء فلا تعرض في الآية لترتيب الوقوع الترتيب الزماني ، ولما كان خلق السماء أبدع في القدرة من خلق الأرض استؤنف الإخبار فيه بثم فهي لترتيب الأخبار كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا بعد قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فلا اقتحم العقبة وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثم آتينا موسى الكتاب [الأنعام : 154] بعد قوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل [الأنعام : 151] ويكون قوله جل شأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فقال لها وللأرض بعد إخباره تعالى أخبر به تصويرا لخلقهما على وفق إرادته تعالى كقولك أرأيت الذي أثنيت عليه فقلت له إنك عالم صالح فهذا تصوير لما أثنيت به وتفسير له فكذلك أخبر سبحانه بأنه خلق كيت وكيت فأوجد ذلك إيجادا لم يتخلف عن إرادته . انتهى . وظاهر ما ذكره في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فقال لها .. إلخ . أن القول بعد الإيجاد ، وقال بعض الأجلة يجوز أن يكون ذلك للتمثيل أو التخييل للدلالة على أن السماء والأرض محلا قدرته تعالى يتصرف فيهما كيف يشاء إيجادا وإكمالا ذاتا وصفة ويكون تمهيدا لقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن أي لما كان الخلق بهذه السهولة قضى السماوات وأحكم خلقها في يومين فيصح هذا القول قبل كونهما وبعده ، وفي أثنائه إذ ليس الغرض دلالة على وقوع .
وذكر في نكتة تقديم خلق الأرض وما فيها في الذكر ها هنا وفي سورة البقرة على خلق السماوات والعكس في سورة النازعات أنها يجوز أن يكون أن المقام في الأوليين مقام الامتنان وتعداد النعم فمقتضاه تقديم ما هو أقرب النعم إلى المخاطبين والمقام في الثالثة مقام بيان كمال القدرة فمقتضاه تقديم ما هو أدل على كمالها ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه تعالى خلق الأرض في موضع
بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السماوات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض ، وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30كانتا رتقا ففتقناهما [الأنبياء : 30] الآية .
وجعله بعضهم دليلا على تأخر دحو الأرض عن خلق السماء ، وفي الإرشاد أنه ليس نصا في ذلك فإن بسط
[ ص: 108 ] الأرض معطوف على إصعاد الدخان وخلق السماء بالواو فلا دلالة في ذلك على الترتيب قطعا ، وفي الكشف أنه يدل على أن كون السماء دخانا سابق على دحو الأرض وتسويتها بل ظاهر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان يدل على ذلك ، وإيجاد الجوهرة النورية والنظر إليها بعين الجلال المبطن بالرحمة والجمال وذويها وامتياز لطيفها عن كثيفها وصعود المادة الدخانية اللطيفة وبقاء الكثيف هذا كله سابق على الأيام الستة وثبت في الخبر الصحيح ولا ينافي الآيات . واختار بعضهم أن خلق المادة البعيدة للسماء والأرض كان في زمان واحد وهي الجوهرة النورية أو غيرها وكذا فصل مادة كل عن الأخرى وتمييزها عنها أعني الفتق وإخراج الأجزاء اللطيفة وهي المادة القريبة للسماوات وإبقاء الكثيفة وهي المادة القريبة للأرض فإن فصل اللطيف عن الكثيف يستلزم فصل الكثيف عنه وبالعكس ، وأما خلق كل على الهيئة التي يشاهد بها فليس في زمان واحد بل خلق السماوات سابق في الزمان على خلق الأرض ، ولا ينبغي لأحد أن يرتاب في تأخر خلق الأرض بجميع ما فيها عن خلق السماوات كذلك ، ومتى ساغ حمل ( ثم ) للترتيب في الإخبار هان أمر ما يظن من التعارض في الآيات والإخبار هذا والله تعالى أعلم . ولبعض المتأخرين في الآية كلام غريب دفع به ما يظن من المنافاة بين الآيات الدالة على أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش [الفرقان : 59 ، السجدة : 4] وقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب [ق : 38] وهذه الآية التي يخيل منها أن خلق ذلك في ثمانية أيام وهو أن للشيء حكما من حيث ذاته ونفسه وحكما من حيث صفاته وإضافاته ونسبه وروابطه واقتضاءاته ومتمماته وسائر ما يضاف إليه ولكل من ذلك أجل معدود وحد محدود يظهره سبحانه في ذلك بالأزمان الخاصة به والأوقات المؤجلة له وهي متفاوتة مختلفة ، والله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في حد ذاتها في ستة أيام ، وذلك عند نشئها في ذاتها من خلقه سبحانه إياها من البحر الحاصل من ذوبان الياقوتة الحمراء لما نظر إليها جل شأنه بنظر الهيبة فتموج إلى أن حصل منه الزبد وثار الدخان فخلق السماء من الدخان والأرض من الزبد والنجوم من الشعلات المستجنة في زبد البحر والنار والهواء والماء من جسم أكثف من الدخان وألطف من الزبد ، والسماء حقيقة وحدانية في ذاتها ولها صلاحية التعدد والكثرة على حسب بدو شأنها في علم الغيب فتعينها بالسبعة على الجهة الخاصة ووقوع كل سماء في محلها الخاص مترتبا عليها حكم خاص يحتاج إلى جعل غير جعلها في نفسها وهو المسمى بالقدر وتعيين الحدود التي هي الهندسة الإيجادية ، وهذا الجعل متفرع على الخلق ونحوه غير نحوه قطعا كما يشعر به قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وخلق كل شيء فقدره تقديرا [الفرقان : 2] وقد يسمى بالتسوية وبالقضاء أيضا كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات [البقرة : 29] وقوله تعالى هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان - إلى قوله سبحانه -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات وأما تقدير أقوات الأرض وإعطاء البركة وتوليد المتولدات فلها أيام معدودات وحدود محدودات لا تدخل في أيام خلق السماوات والأرض لأنها لإيجاد أنفسها ، فالأيام الأربعة المذكورة في الآية إنما هي لجعل الرواسي وتقدير الأقوات وإحداث البركة وليست من تلك الستة وكذلك اليومان اللذان لتسوية السماء وقضائها سبع سماوات خارجان عنها فليس في الآية التي الكلام فيها سوى أن خلق الأرض كان في يومين وأما خلق السماوات وما بينها وبين الأرض فلم يذكر في الآية مدة له وإنما ذكر مدة قضاء السماوات وهو غير خلقها ومدة جعل الرواسي وتقدير الأقوات وإحداث البركة وذلك غير خلق الأرض وما بينها وبين السماء فلا تنافي بينها وبين الآيات الدالة على أن خلق السماوات
[ ص: 109 ] والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ولا يعكر على ذلك ما روي عن الصادق أن الله سبحانه خلق في يوم الأحد والاثنين الأرضين وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء وخلق السماوات في يوم الأربعاء ويوم الخميس وخلق أقواتها يوم الجمعة وذلك قول الله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام لأنه بعد تسليم صحته المذكور فيه أن الأقوات قد خلقت في يومين لا أنها قدرت وبين الخلق والتقدير بون بعيد ، فخلق الأقوات عبارة عن إيجاد ذاتياتها وموادها وعللها وأسبابها فإذا وجدت قدرت وفصلت على الأطوار المعلومة فلا إشكال .
والعجب ممن استشكل هذا المقام كيف لم ينظر في مدلولات الألفاظ الإلهية بحسب القواعد القرآنية واللغوية فاحتاج في حله إلى تكلفات أمور ( خفية ) وارتكاب توجيهات غير مرضية ، ثم إن هذا البعض ذكر لليوم ما يزيد على ستين إطلاقا منها المرتبة ونقل هذا عن شيخه ورأيته في بعض الكتب لغيره ، وجوز إرادته في الآية وكذا جوز إرادة غيره من الإطلاقات ، وذكر سر كون خلق السماوات والأرض في ستة أيام وأطال الكلام في هذا المقام ، وكان ذلك ضمن رسالة ألفها حين طلبت منه جوابا عما يظن من المنافاة غير ما ذكروه من الجواب عن ذلك ، ومن وقف على تلك الرسالة سمع منها قعقعة بلا سلاح وأحس بطيران في جو ما يزعمه تحقيقا بلا جناح فكم فيها من قول لا سند له ومدعى لم يورد دليله ، فعليك بالتأمل التام فيما ذكره المفسرون وما ذكره هذا الرجل من الكلام ولا تك للإنصاف مجانبا وللتعصب مصاحبا والله تعالى الموفق .
وما تقدم من حمل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قالتا أتينا طائعين على التمثيل هو ما ذهب إليه جماعة من المفسرين ، وقالت طائفة : إنهما نطقتا نطقا حقيقيا وجعل الله تعالى لهما حياة وإدراكا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية : وهذا أحسن لأنه لا شيء يدفعه وأن العبرة فيه أتم والقدرة فيه أظهر ، ولا يخفى أن المعنى الأول أبلغ ، ومن ذهب إلى أن للجمادات إدراكا لائقا بها قال بظاهر الآية ولعلها إحدى أدلته على ذلك . وذكر بعضهم في قوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وأوحى في كل سماء أمرها أنه سبحانه خص كل سماء بما ميزها عن السماء الأخرى من الذاتيات وجعل ذلك وجها في جمع السماوات وإفراد الأرض . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش «أو كرها » بضم الكاف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : والأصح أنها لغة في الإكراه على الشيء ، والأكثر على أن الكره بالضم معناه المشقة
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32433_32435_32436_34108_29012nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ تَفْسِيرًا وَتَفْصِيلًا لِتَكْوِينِ السَّمَاءِ الْمُجْمَلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْأَمْرِ وَجَوَابُهُ لَا أَنَّهُ فِعْلٌ مُتَرَتِّبٌ عَلَى تَكْوِينِهِمَا أَيْ خَلَقَهُنَّ خَلْقًا إِبْدَاعِيًّا وَأَتْقَنَ أَمْرَهُنَّ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ فِي وَقْتَيْنِ وَضَمِيرُ ( هُنَّ ) إِمَّا لِلسَّمَاءِ عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّهُ بِمَعْنَى السَّمَاوَاتِ وَلِذَا قِيلَ : هُوَ اسْمُ جَمْعٍ - فَسَبْعَ - حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ وَإِمَّا مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ تَمْيِيزٌ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ لَفْظًا وَرُتْبَةً لِجَوَازِهِ فِي التَّمْيِيزِ نَحْوَ رَبَّهِ رَجُلًا وَهُوَ وَجْهٌ عَرَبِيٌّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ : انْتَصَبَ ( سَبْعَ ) عَلَى الْحَالِ وَهُوَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ ، وَقِيلَ : مَفْعُولٌ بِهِ وَالتَّقْدِيرُ قَضَى مِنْهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14183الْحَوْفِيُّ : عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى تَضْمِينِ الْقَضَاءِ مَعْنَى التَّصْيِيرِ وَلَمْ يُذْكَرْ مِقْدَارُ زَمَنِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَخَلْقِ مَا فِيهَا اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ فِي بَيَانِ تَقْدِيرِهِمَا ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا عَطْفًا عَلَى ( قَضَاهُنَّ ) أَيْ خَلَقَ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَا اسْتَعَدَّتْ لَهُ وَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّيِّرَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ السُّدِّيِّ . وَقَتَادَةُ فَالْوَحْيُ عِبَارَةٌ عَنِ التَّكْوِينِ كَالْأَمْرِ مُقَيَّدٌ بِمَا قُيِّدَ بِهِ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَقْتِ أَوْ أَوْحَى إِلَى أَهْلِ كُلٍّ مِنْهَا أَوَامِرَهُ وَكَلَّفَهُمْ
[ ص: 104 ] مَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنَ التَّكَالِيفِ كَمَا قِيلَ : فَالْوَحْيُ بِمَعْنَاهُ الْمَشْهُورِ مِنْ بَيْنِ مَعَانِيهِ وَمُطْلَقٌ عَنِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِهِ فِيمَا أَرَى ، وَاحْتِمَالُ التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ جَارٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ أَيْ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَهِيَ فِيهَا وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ أَوْ بَعْضُهَا فِيهَا وَبَعْضُهَا فِيمَا فَوْقَهَا لَكِنَّهَا لِكَوْنِهَا كُلَّهَا تَرَى مُتَلَأْلِئَةً عَلَيْهَا صَحَّ كَوْنُ تَزْيِينِهَا بِهَا ، وَالِالْتِفَاتُ إِلَى نُونِ الْعَظَمَةِ لِإِبْرَازِ مَزِيدِ الْعِنَايَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وَحِفْظًا فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : ( زَيَّنَّا ) أَيْ وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا ، وَالضَّمِيرُ لِلسَّمَاءِ وَحِفْظُهَا إِمَّا مِنَ الْآفَاتِ أَوْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الْمُسْتَرِقَةِ لِلسَّمْعِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِلْمَصَابِيحِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَجُوِّزَ كَوْنُهُ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ مَعْطُوفًا عَلَى مَفْعُولٍ لَهُ يَتَضَمَّنُهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ أَيْ زِينَةً وَحِفْظًا ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَكَلُّفٌ بَعِيدٌ لَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِهِ مَعَ ظُهُورِ الْأَوَّلِ وَسُهُولَتِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَحْرِ .
وَجَعَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى جَمِيعِ الَّذِي ذُكِرَ بِتَفَاصِيلِهِ أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أَيِ الْبَالِغُ فِي الْقُدْرَةِ وَالْبَالِغُ فِي الْعِلْمِ ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِمَّا حُكِيَ عَنْهُ : فَعَلَى هَذَا لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ إِيجَادِ الْأَرْضِ وَإِيجَادِ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ بَيْنَ التَّقْدِيرِ أَيْ تَقْدِيرُ إِيجَادِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا وَإِيجَادِ السَّمَاءِ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَلْقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَعَانِيهَا الظَّاهِرَةِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا وَعَلَيْهِ إِطْبَاقُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ حَمْلَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ عَلَى مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَمَا هُوَ مُقِرٌّ بِهِ ، وَعَدَمُ التَّعَرُّضِ لِخَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا بِالْفِعْلِ كَمَا تَعَرَّضَ لِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ كَذَلِكَ لَا يُلَائِمُ دَعْوَى الِاعْتِنَاءِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا فِي بَيَانِ وَجْهِ تَخْصِيصِ الْبَيَانِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ وَمَا فِيهَا عَلَى أَنَّ خَلْقَ مَا فِيهَا بِالْفِعْلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذُكِرَتِ الْأَرْضُ قَبْلُ مُسْتَقِلَّةً وَذُكِرَ مَا فِيهَا مُسْتَقِلًّا فَلَا يَتَبَادَرُ مِنَ الْأَرْضِ هُنَا إِلَّا تِلْكَ الْأَرْضُ الْمُسْتَقِلَّةُ لَا هِيَ مَعَ مَا فِيهَا ، وَأَمْرُ تَقَدُّمِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَتَأَخُّرِهِ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلَامُ فِيهِ . وَقِيلَ : إِنَّ إِتْيَانَ السَّمَاءِ حُدُوثُهَا وَإِتْيَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَصِيرَ مَدْحُوَّةً وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ حَيْثُ شَبَّهَ الْبُرُوزَ مِنَ الْعَدَمِ وَبَسْطَ الْأَرْضِ وَتَمْهِيدَهَا بِالْإِتْيَانِ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ وَفِي صِحَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِ الدَّحْوِ مُؤَخَّرًا عَنْ جَعْلِ الرَّوَاسِي كَلَامًا أَيْضًا سَتَعْرِفُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ لِتَأْتِ كُلٌّ مِنْكُمَا الْأُخْرَى فِي حُدُوثِ مَا أُرِيدَ تَوْلِيدُهُ مِنْكُمَا وَأُيِّدَ بِقِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَابْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ «آتِيَا » وَ «قَالَتَا أَتَيْنَا » عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُوَاتَاةِ بِمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ ، قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : تَقُولُ آتَيْتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ مُوَاتَاةً إِذَا وَافَقْتُهُ وَطَاوَعْتُهُ لِأَنَّ الْمُتَوَافِقَيْنِ يَأْتِي كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ وَعَلَاقَتُهُ اللُّزُومُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّيٍّ : هِيَ الْمُسَارَعَةُ وَهُوَ حَسَنٌ أَيْضًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ أَكْثَرُ الْأَجِلَّةِ مِنَ الْإِيتَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَائِحٍ وَجَعَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْهُ وَقَدَّرَ الْمَفْعُولَ أَيْ أَعْطِيَا مِنْ أَنْفُسِكُمَا مِنَ الطَّاعَةِ مَا أَرَدْتُهُ مِنْكُمَا وَمَا تَقَدَّمَ أَحْسَنُ وَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْأَوْجُهِ مِنَ الْكَلَامِ يَأْتِي نَحْوُهُ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى .
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِي خَلْقِ كُلٍّ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيهَا وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهَا وَذَلِكَ لِلْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ فَذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى تَقَدُّمِ خَلْقِ الْأَرْضِ لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ حَيْثُ ذَكَرَ فِيهَا أَوَّلًا خَلْقَ الْأَرْضِ وَجَعْلَ الرَّوَاسِي فِيهَا وَتَقْدِيرَ الْأَقْوَاتِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ .. إِلَخْ . وَأَبَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِتْيَانِ لِلْأَرْضِ أَمْرَ تَكْوِينٍ ، وَلِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : فِي آيَةِ [الْبَقَرَةَ : 29]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [ ص: 105 ] وَأَوَّلِ آيَةِ النَّازِعَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=29وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=31أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=32وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=33مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ [النَّازِعَاتِ : 27 - 33] لِمَا أَنَّ ظَاهِرَهُ يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى وَالْجِبَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى السَّابِقِ وَهُوَ رَفْعُ السَّمْكَ وَالتَّسْوِيَةُ ، وَالْأَرْضُ مَنْصُوبٌ بِمُضْمَرٍ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ أَيْ وَدَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ رَفْعِ السَّمَاءِ وَتَسْوِيَتِهَا دَحَاهَا.. إِلَخْ . بِأَنَّ الْأَرْضَ مَنْصُوبٌ بِمُضْمَرٍ نَحْوَ تَذَكَّرْ وَتَدَبَّرْ أَوِ اذْكُرِ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِمُضْمَرٍ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ أَوْ بِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى الْمَذْكُورِ سَابِقًا مِنْ ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاءِ لَا خَلْقَ السَّمَاءِ نَفْسَهُ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِي الذِّكْرِ عَنْ خَلْقِ السَّمَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ قَاصِرٌ فِي الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ تَتْمِيمٌ كَمَا تَقُولُ جُمَلًا ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْتَ وَكَيْتَ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي اسْتِعْمَالِ
الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَكَأَنَّ بُعْدَ ذَلِكَ بِهَذَا الْمَعْنَى عَكْسُهُ إِذَا اسْتُعْمِلَ لِتَرَاخِي الرُّتْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ ثُمَّ أَيْضًا بِهَذَا الْمَعْنَى وَكَذَا الْفَاءُ ، وَبَعْضُهُمْ يَذْهَبُ فِي الْجَوَابِ إِلَى مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ .
فَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ : رَأَيْتُ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ فِي الْقُرْآنِ قَالَ : هَاتِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : أَسْمَعُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ - حَتَّى بَلَغَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11طَائِعِينَ فَبَدَأَ بِخَلْقِ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا - ثُمَّ قَالَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا فَبَدَأَ جَلَّ شَأْنُهُ بِخَلْقِ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا : أَمَّا خَلْقُ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنَّ الْأَرْضَ خُلِقَتْ قَبْلَ السَّمَاءِ وَكَانَتِ السَّمَاءُ دُخَانًا فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ خَلْقِ الْأَرْضِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=30وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا يَقُولُ جَعَلَ فِيهَا جَبَلًا وَجَعَلَ فِيهَا نَهْرًا وَجَعَلَ فِيهَا شَجَرًا وَجَعَلَ فِيهَا بُحُورًا . انْتَهَى . قَالَ
الْخَفَاجِيُّ : يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=31أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِدَحَاهَا بِمَعْنَى بَسَطَهَا مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ فَيَكُونُ تَأَخُّرُهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ بِمَعْنَى تَأَخُّرِ ذَاتِهَا بَلْ بِمَعْنَى تَأَخُّرِ خَلْقِ مَا فِيهَا وَتَكْمِيلِهِ وَتَرْتِيبِهِ بَلْ خَلْقُ التَّمَتُّعِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِنَّ الْبَعِيدَةَ كَمَا تَكُونُ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الشَّيْءِ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ الْأَخِيرِ وَقَيْدُهُ الْمَذْكُورُ كَمَا لَوْ قُلْتَ : بَعَثْتُ إِلَيْكَ رَسُولًا ثُمَّ كُنْتُ بَعَثْتُ فُلَانًا لِيَنْظُرَ مَا يَبْلُغُهُ فَبَعْثُ الثَّانِي وَإِنْ تَقَدَّمَ لَكِنْ مَا بُعِثَ لِأَجْلِهِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ فَجَعَلَ نَفْسَهُ مُتَأَخِّرًا . فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ هَذَا مَعَ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا
أَنَّ الْيَهُودَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَتْهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : «خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْمَنَافِعِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَالْمَدَائِنَ وَالْعُمْرَانَ وَالْخَرَابَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلَائِكَةَ » فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْأَوَّلَ لِاقْتِضَائِهِ خَلْقَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ قُلْتُ : الظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ فِيمَا ذَكَرَ مَادَّةَ ذَلِكَ وَأُصُولَهُ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْعُمْرَانُ وَالْخَرَابُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ فَعَطْفُهُ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ لِذَلِكَ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْآيَاتِ اخْتِلَافٌ . انْتَهَى كَلَامُ
الْخَفَاجِيِّ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ [ ص: 106 ] السَّابِقَ نَصٌّ فِي أَنَّ جَعْلَ الْجِبَالِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ آيَةِ النَّازِعَاتِ إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=32وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النَّازِعَاتِ : 32] وَآيَةُ حم السَّجْدَةِ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ جَعْلَ الْجِبَالِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ ، ثُمَّ إِنَّ رِوَايَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ الْمَذْكُورَةَ عَنْهُ مُخَالِفَةٌ لِخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662005«أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ » وَاسْتَدَلَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ السَّبْتَ أَوَّلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ دُونَ الْأَحَدِ وَنَقَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ الشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ
الْأَسْنَوِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13359وَابْنُ عَسَاكِرَ ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ
ابْنُ حَجَرٍ : هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ مَذْهَبُنَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بَلْ قَالَ
السُّهَيْلِيُّ فِي رَوْضِهِ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ، وَجَرَى
النَّوَوِيُّ فِي مَوْضِعٍ عَلَى مَا يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ فَقَالَ : فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ . وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ جَرَى فِي تَوْجِيهِ التَّسْمِيَةِ الْمُكْتَفِي فِيهِ بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ .
وَانْتَصَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15022الْقَفَّالُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ لِكَوْنِ أَوَّلِهِ الْأَحَدَ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ تَفَرَّدَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ عَلَى
ابْنِ الْمَدَائِنِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ
كَعْبٍ وَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْهُ وَلَكِنِ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ الرَّفْعَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ وَالثِّقَةُ لَا يُرَدُّ حَدِيثُهُ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَعْرَضَ مُسْلِمٌ عَمَّا قَالَهُ أُولَئِكَ وَاعْتَمَدَ الرَّفْعَ وَخَرَّجَ طَرِيقَهُ فِي صَحِيحِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهَا .
وَذَكَرَ
أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِئُ الْمَالِكِيُّ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَوَاهُ أَيْضًا فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ
شَبَّكَ بِيَدِي أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : «خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ السَّبْتِ » الْحَدِيثَ ، وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عِدَّةُ أَخْبَارٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ نَاطِقَةٍ بِأَنَّ مَبْدَأً خَلْقِ الْأَرْضِ كَانَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَفِيهِ أَيْضًا أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ :
«جَاءَ الْيَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ فَقَالَ : خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ الْمَدَائِنَ وَالْأَقْوَاتَ وَالْأَنْهَارَ وَعُمْرَانَهَا وَخَرَابَهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَعْنِي مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ الْآجَالَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْآفَةَ وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ قَالُوا : صَدَقْتَ إِنْ تَمَّمْتَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُرِيدُونَ فَغَضِبَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=39فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ .
وَالْيَهُودُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْأُسْبُوعِ يَوْمُ الْأَحَدِ احْتِجَاجًا بِمَا يُسَمُّونَهُ التَّوْرَاةَ وَظَاهِرُهُ الِاشْتِقَاقُ يَقْتَضِي ذَلِكَ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَوَّلَ السَّبْتُ قَالَ : لَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَثْبُتْ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَلَّ الْيَهُودَ وَضَعُوا أَسْمَاءَ الْأُسْبُوعِ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ فَأَخَذَتْهَا
الْعَرَبُ عَنْهُمْ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا الْجُمُعَةُ وَالسَّبْتُ وَلَيْسَا مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَوْ ثَبَتَتْ عَنِ
الْعَرَبِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ لَأَنَّ
الْعَرَبَ تُسَمِّي خَامِسَ الْوِرْدِ رُبْعًا وَتَاسِعَهُ عُشْرًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ الَّذِي كَادَ يَنْفَرِدُ بِهِ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ يَوْمُ تَاسِعِ الْمُحَرَّمِ وَتَاسُوعَاءَ هُوَ يَوْمُ ثَامِنِهِ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ خَارِجٌ عَنِ الْإِنْصَافِ فَلِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ عِنْدَ
الْعَرَبِ أَسْمَاءُ أُخَرُ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ، وَهِيَ أَوَّلُ وَأَهْوَنُ وَجُبَارٌ وَدُبَارٌ وَمُؤْنِسٌ وَعَرُوبَةُ وَشِيَارٌ ، وَلَا يَسُوغُ لِمُنْصِفٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ
الْعَرَبَ تَبِعُوا فِي ذَلِكَ الْيَهُودَ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَيْتَ شِعْرِي إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ وَقَعَتْ مُتَابَعَةً لِلْيَهُودِ فَمَا الْأَسْمَاءُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي وَضَعَهَا وَاضِعُ
[ ص: 107 ] لُغَةِ
الْعَرَبِ غَيْرُ تَابِعٍ فِيهَا لِلْيَهُودِ ، وَالْجَوَابُ الثَّانِي خِلَافُ الظَّاهِرِ جِدًّا .
وَنَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15466الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلٍ أَنَّ خَلْقَ السَّمَاءِ مُقَدَّمٌ عَلَى إِيجَادِ الْأَرْضِ فَضْلًا عَنْ دَحْوِهَا وَاخْتَارَهُ
الْإِمَامُ وَنَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَوَّلُوا الْآيَةَ بِأَنَّ الْخَلْقَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنِ التَّكْوِينِ وَالْإِيجَادِ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى حُكْمُهُ تَعَالَى أَنْ سَيُوجَدُ وَقَضَاؤُهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=59إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آلَ عِمْرَانَ : 59] وَلَا بُدَّ عَلَى هَذَا مِنْ تَأْوِيلٍ ( جَعَلَ وَبَارَكَ ) بِنَحْوِ مَا سَمِعْتُ عَنِ الْإِرْشَادِ ، وَجُوِّزَ أَنْ يَبْقَى خَلَقَ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ وَيَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى إِرَادَةِ الْإِرَادَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [الْمَائِدَةَ : 6] أَيْ بِالَّذِي أَرَادَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَقَالُوا : إِنَّ ثُمَّ لِلتَّفَاوُتِ فِي الرُّتْبَةِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ التَّرَاخِي الزَّمَانِيِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَدَ : 17] فَإِنَّ اسْمَ كَانَ ضَمِيرٌ يَرْجِعُ إِلَى فَاعِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فَلا اقْتَحَمَ [الْبَلَدَ : 11] وَهُوَ الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=13فَكُّ رَقَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=14أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=15يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=16أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [الْبَلَدَ : 13 - 16] تَفْسِيرٌ لِلْعَقَبَةِ ، وَالتَّرْتِيبُ الظَّاهِرِيُّ يُوجِبُ تَقْدِيمَ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ لَكِنَّ ثُمَّ هُنَا لِلتَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ مَجَازًا ، وَفِي الْكَشْفِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15466الْوَاحِدِيُّ لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَيَتَعَيَّنُ ( ثُمَّ ) فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَالسَّجْدَةِ عَلَى تَرَاخِي الرُّتْبَةِ وَهُوَ أَوْفَقُ لِمَشْهُورِ قَوَاعِدِ الْحُكَمَاءِ لَكِنْ لَا يُوَافِقُ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ كَانَ ، وَخَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيهَا مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَفِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَمَّ خَلْقُ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَفِي الْبَحْرِ الَّذِي نَقُولُهُ : إِنَّ الْكُفَّارَ وُبِّخُوا وَقُرِّعُوا بِكُفْرِهِمْ بِمَنْ صَدَرَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ جَمِيعُهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ زَمَانِيٍّ وَإِنَّ ( ثُمَّ ) لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الزَّمَانِ وَالْمُهْلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ بِالَّذِي أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ثُمَّ أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَلَا تَعَرُّضَ فِي الْآيَةِ لِتَرْتِيبِ الْوُقُوعِ التَّرْتِيبَ الزَّمَانِيَّ ، وَلَمَّا كَانَ خَلْقُ السَّمَاءِ أَبْدَعَ فِي الْقُدْرَةِ مِنْ خَلْقِ الْأَرْضِ اسْتُؤْنِفَ الْإِخْبَارُ فِيهِ بِثُمَّ فَهِيَ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=11فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [الْأَنْعَامَ : 154] بَعْدَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ [الْأَنْعَامَ : 151] وَيَكُونُ قَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ بَعْدَ إِخْبَارِهِ تَعَالَى أَخْبَرَ بِهِ تَصْوِيرًا لِخَلْقِهِمَا عَلَى وَفْقِ إِرَادَتِهِ تَعَالَى كَقَوْلِكَ أَرَأَيْتَ الَّذِي أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّكَ عَالِمٌ صَالِحٌ فَهَذَا تَصْوِيرٌ لِمَا أَثْنَيْتَ بِهِ وَتَفْسِيرٌ لَهُ فَكَذَلِكَ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ خَلَقَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَأَوْجَدَ ذَلِكَ إِيجَادًا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ إِرَادَتِهِ . انْتَهَى . وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11فَقَالَ لَهَا .. إِلَخْ . أَنَّ الْقَوْلَ بَعْدَ الْإِيجَادِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَجِلَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلتَّمْثِيلِ أَوِ التَّخْيِيلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ مَحَلَّا قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا كَيْفَ يَشَاءُ إِيجَادًا وَإِكْمَالًا ذَاتًا وَصِفَةً وَيَكُونُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ أَيْ لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ بِهَذِهِ السُّهُولَةِ قَضَى السَّمَاوَاتِ وَأَحْكَمَ خَلْقَهَا فِي يَوْمَيْنِ فَيَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ قَبْلَ كَوْنِهِمَا وَبَعْدَهُ ، وَفِي أَثْنَائِهِ إِذْ لَيْسَ الْغَرَضُ دَلَالَةً عَلَى وُقُوعٍ .
وَذُكِرَ فِي نُكْتَةِ تَقْدِيمِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا فِي الذِّكْرِ هَا هُنَا وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْعَكْسِ فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ أَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنَّ الْمَقَامَ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ مَقَامُ الِامْتِنَانِ وَتَعْدَادِ النِّعَمِ فَمُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ أَقْرَبُ النِّعَمِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ وَالْمُقَامُ فِي الثَّالِثَةِ مَقَامُ بَيَانِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ فَمُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ مَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى كَمَالِهَا ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ فِي مَوْضِعِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَهَيْئَةِ الْفِهْرِ عَلَيْهَا دُخَانٌ مُلْتَزِقٌ بِهَا ثُمَّ أَصْعَدَ الدُّخَانَ وَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ وَأَمْسَكَ الْفِهْرَ فِي مَوْضِعِهَا وَبَسَطَ مِنْهَا الْأَرْضَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الْأَنْبِيَاءَ : 30] الْآيَةَ .
وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ دَلِيلًا عَلَى تَأَخُّرِ دَحْوِ الْأَرْضِ عَنْ خَلْقِ السَّمَاءِ ، وَفِي الْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ بَسْطَ
[ ص: 108 ] الْأَرْضِ مَعْطُوفٌ عَلَى إِصْعَادِ الدُّخَانِ وَخَلْقِ السَّمَاءِ بِالْوَاوِ فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّرْتِيبِ قَطْعًا ، وَفِي الْكَشْفِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا سَابِقٌ عَلَى دَحْوِ الْأَرْضِ وَتَسْوِيَتِهَا بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِيجَادُ الْجَوْهَرَةِ النُّورِيَّةِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الْجَلَالِ الْمُبَطَّنُ بِالرَّحْمَةِ وَالْجَمَالِ وَذَوْيُهَا وَامْتِيَازُ لَطِيفِهَا عَنْ كَثِيفِهَا وَصُعُودُ الْمَادَّةِ الدُّخَانِيَّةِ اللَّطِيفَةِ وَبَقَاءُ الْكَثِيفِ هَذَا كُلُّهُ سَابِقٌ عَلَى الْأَيَّامِ السِّتَّةِ وَثَبَتَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَلَا يُنَافِي الْآيَاتِ . وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّ خَلْقَ الْمَادَّةِ الْبَعِيدَةِ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَانَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَهِيَ الْجَوْهَرَةُ النُّورِيَّةُ أَوْ غَيْرُهَا وَكَذَا فَصْلُ مَادَّةِ كُلٍّ عَنِ الْأُخْرَى وَتَمْيِيزُهَا عَنْهَا أَعْنِي الْفَتْقَ وَإِخْرَاجَ الْأَجْزَاءِ اللَّطِيفَةِ وَهِيَ الْمَادَّةُ الْقَرِيبَةُ لِلسَّمَاوَاتِ وَإِبْقَاءَ الْكَثِيفَةِ وَهِيَ الْمَادَّةُ الْقَرِيبَةُ لِلْأَرْضِ فَإِنَّ فَصْلَ اللَّطِيفِ عَنِ الْكَثِيفِ يَسْتَلْزِمُ فَصْلَ الْكَثِيفِ عَنْهُ وَبِالْعَكْسِ ، وَأَمَّا خَلْقُ كُلٍّ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي يُشَاهَدُ بِهَا فَلَيْسَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بَلْ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ سَابِقٌ فِي الزَّمَانِ عَلَى خَلْقِ الْأَرْضِ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرْتَابَ فِي تَأَخُّرِ خَلْقِ الْأَرْضِ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ كَذَلِكَ ، وَمَتَى سَاغَ حَمْلُ ( ثُمَّ ) لِلتَّرْتِيبِ فِي الْإِخْبَارِ هَانَ أَمْرُ مَا يُظَنُّ مِنَ التَّعَارُضِ فِي الْآيَاتِ وَالْإِخْبَارِ هَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَلِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْآيَةِ كَلَامٌ غَرِيبٌ دَفَعَ بِهِ مَا يُظَنُّ مِنَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الْفُرْقَانَ : 59 ، السَّجْدَةَ : 4] وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق : 38] وَهَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي يُخَيَّلُ مِنْهَا أَنَّ خَلْقَ ذَلِكَ فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَنَّ لِلشَّيْءِ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ وَنَفْسِهِ وَحُكْمًا مِنْ حَيْثُ صِفَاتِهِ وَإِضَافَاتِهِ وَنِسَبِهِ وَرَوَابِطِهِ وَاقْتِضَاءَاتِهِ وَمُتَمِّمَاتِهِ وَسَائِرِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ وَلِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ أَجَلٌ مَعْدُودٌ وَحَدٌّ مَحْدُودٌ يُظْهِرُهُ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ بِالْأَزْمَانِ الْخَاصَّةِ بِهِ وَالْأَوْقَاتِ الْمُؤَجَّلَةِ لَهُ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي حَدِّ ذَاتِهَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، وَذَلِكَ عِنْدَ نَشْئِهَا فِي ذَاتِهَا مِنْ خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ إِيَّاهَا مِنَ الْبَحْرِ الْحَاصِلِ مِنْ ذَوَبَانِ الْيَاقُوتَةِ الْحَمْرَاءِ لَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا جَلَّ شَأْنُهُ بِنَظَرِ الْهَيْبَةِ فَتَمَوَّجَ إِلَى أَنْ حَصَلَ مِنْهُ الزَّبَدُ وَثَارَ الدُّخَانُ فَخَلَقَ السَّمَاءَ مِنَ الدُّخَانِ وَالْأَرْضَ مِنَ الزَّبَدِ وَالنُّجُومَ مِنَ الشُّعُلَاتِ الْمُسْتَجِنَّةِ فِي زَبَدِ الْبَحْرِ وَالنَّارَ وَالْهَوَاءَ وَالْمَاءَ مِنْ جِسْمٍ أَكْثَفَ مِنَ الدُّخَانِ وَأَلْطَفَ مِنَ الزَّبَدِ ، وَالسَّمَاءُ حَقِيقَةٌ وَحْدَانِيَّةٌ فِي ذَاتِهَا وَلَهَا صَلَاحِيَّةُ التَّعَدُّدِ وَالْكَثْرَةِ عَلَى حَسَبِ بُدُوِّ شَأْنِهَا فِي عِلْمِ الْغَيْبِ فَتَعَيَّنَهَا بِالسَّبْعَةِ عَلَى الْجِهَةِ الْخَاصَّةِ وَوُقُوعُ كُلِّ سَمَاءٍ فِي مَحَلِّهَا الْخَاصِّ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهَا حُكْمٌ خَاصٌّ يَحْتَاجُ إِلَى جَعْلٍ غَيْرِ جَعْلِهَا فِي نَفْسِهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَدْرِ وَتَعْيِينُ الْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْهَنْدَسَةُ الْإِيجَادِيَّةُ ، وَهَذَا الْجَعْلُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْخَلْقِ وَنَحْوُهُ غَيْرُ نَحْوِهِ قَطْعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=2وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الْفُرْقَانَ : 2] وَقَدْ يُسَمَّى بِالتَّسْوِيَةِ وَبِالْقَضَاءِ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [الْبَقَرَةَ : 29] وَقَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ - إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَأَمَّا تَقْدِيرُ أَقْوَاتِ الْأَرْضِ وَإِعْطَاءُ الْبَرَكَةِ وَتَوْلِيدُ الْمُتَوَلِّدَاتِ فَلَهَا أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ وَحُدُودٌ مَحْدُودَاتٌ لَا تَدْخُلُ فِي أَيَّامِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِأَنَّهَا لِإِيجَادِ أَنْفُسِهَا ، فَالْأَيَّامُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هِيَ لِجَعْلِ الرَّوَاسِي وَتَقْدِيرِ الْأَقْوَاتِ وَإِحْدَاثِ الْبَرَكَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ وَكَذَلِكَ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ لِتَسْوِيَةِ السَّمَاءِ وَقَضَائِهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ خَارِجَانِ عَنْهَا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا سِوَى أَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ كَانَ فِي يَوْمَيْنِ وَأَمَّا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَمَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ مُدَّةً لَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُدَّةَ قَضَاءِ السَّمَاوَاتِ وَهُوَ غَيْرُ خَلْقِهَا وَمُدَّةَ جَعْلِ الرَّوَاسِي وَتَقْدِيرِ الْأَقْوَاتِ وَإِحْدَاثِ الْبَرَكَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ
[ ص: 109 ] وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ الْأَرَضِينَ وَخَلَقَ أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمِ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ أَقْوَاتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=4خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ أَنَّ الْأَقْوَاتَ قَدْ خُلِقَتْ فِي يَوْمَيْنِ لَا أَنَّهَا قُدِّرَتْ وَبَيْنَ الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ بَوْنٌ بَعِيدٌ ، فَخَلْقُ الْأَقْوَاتِ عِبَارَةٌ عَنْ إِيجَادِ ذَاتِيَّاتِهَا وَمَوَادِّهَا وَعِلَلِهَا وَأَسْبَابِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ قُدِّرَتْ وَفُصِّلَتْ عَلَى الْأَطْوَارِ الْمَعْلُومَةِ فَلَا إِشْكَالَ .
وَالْعَجَبُ مِمَّنِ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْمَقَامَ كَيْفَ لَمْ يَنْظُرْ فِي مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الْإِلَهِيَّةِ بِحَسَبِ الْقَوَاعِدِ الْقُرْآنِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ فَاحْتَاجَ فِي حَلِّهِ إِلَى تَكَلُّفَاتِ أُمُورٍ ( خَفِيَّة ) وَارْتِكَابِ تَوْجِيهَاتٍ غَيْرِ مُرْضِيَةٍ ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْبَعْضَ ذَكَرَ لِلْيَوْمِ مَا يَزِيدُ عَلَى سِتِّينَ إِطْلَاقًا مِنْهَا الْمَرْتَبَةُ وَنَقَلَ هَذَا عَنْ شَيْخِهِ وَرَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ لِغَيْرِهِ ، وَجُوِّزَ إِرَادَتُهُ فِي الْآيَةِ وَكَذَا جُوِّزَ إِرَادَةُ غَيْرِهِ مِنَ الْإِطْلَاقَاتِ ، وَذَكَرَ سِرَّ كَوْنِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَكَانَ ذَلِكَ ضِمْنَ رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا حِينَ طُلِبَتْ مِنْهُ جَوَابًا عَمَّا يُظَنُّ مِنَ الْمُنَافَاةِ غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى تِلْكَ الرِّسَالَةِ سَمِعَ مِنْهَا قَعْقَعَةً بِلَا سِلَاحٍ وَأَحَسَّ بِطَيَرَانٍ فِي جَوِّ مَا يَزْعُمُهُ تَحْقِيقًا بِلَا جَنَاحٍ فَكَمْ فِيهَا مِنْ قَوْلٍ لَا سَنَدَ لَهُ وَمُدَّعَى لَمْ يُورِدْ دَلِيلَهُ ، فَعَلَيْكَ بِالتَّأَمُّلِ التَّامِّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَمَا ذَكَرَهُ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا تَكُ لِلْإِنْصَافِ مُجَانِبًا وَلِلتَّعَصُّبِ مُصَاحِبًا وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ .
وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ عَلَى التَّمْثِيلِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إِنَّهُمَا نَطَقَتَا نُطْقًا حَقِيقِيًّا وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا حَيَاةً وَإِدْرَاكًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ يَدْفَعُهُ وَأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ أَتَمُّ وَالْقُدْرَةَ فِيهِ أَظْهَرُ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ أَبْلَغُ ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ لِلْجَمَادَاتِ إِدْرَاكًا لَائِقًا بِهَا قَالَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلَعَلَّهَا إِحْدَى أَدِلَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ . وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَصَّ كُلَّ سَمَاءٍ بِمَا مَيَّزَهَا عَنِ السَّمَاءِ الْأُخْرَى مِنَ الذَّاتِيَّاتِ وَجَعَلَ ذَلِكَ وَجْهًا فِي جَمْعِ السَّمَاوَاتِ وَإِفْرَادِ الْأَرْضِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ «أَوْ كُرْهًا » بِضَمِّ الْكَافِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لُغَةٌ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الشَّيْءِ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْكُرْهَ بِالضَّمِّ مَعْنَاهُ الْمَشَقَّةُ