فما اسطاعوا بحذف تاء الافتعال تخفيفا وحذرا عن تلاقي المتقاربين في المخرج وهما الطاء والتاء .
وقرأ حمزة بإدغام التاء في الطاء وفيه جمع بين الساكنين على غير حده ولم يجوزه وطلحة وجوزه جماعة ، وقرأ أبو علي الأعشى عن ( فما اصطاعوا ) بقلب السين صادا لمجاورة الطاء ، وقرأ أبي بكر ( فما استطاعوا ) بالتاء من غير حذف، والفاء فصيحة أي ففعلوا ما أمروا به من إيتاء القطر أو الإتيان فأفرغ عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض، فصار جبلا صلدا فجاء الأعمش يأجوج ومأجوج وقصدوا أن يعلوه وينقبوه فما اسطاعوا أن يظهروه أي يعلوه ويرقوا فيه لارتفاعه وملاسته ، قيل : كان ارتفاعه مائتي ذراع ، وقيل : ألف وثمانمائة ذراع وما استطاعوا له نقبا لصلابته وثخانته . قيل : وكان عرضه خمسين ذراعا، وكان أساسه قد بلغ الماء وقد جعل فيه الصخر والنحاس المذاب وكانت زبر الحديد للبناء فوق الأرض ، ولا يخفى أن إفراغ القطر عليها بعد أن أثرت فيها حرارة النار حتى صارت كالنار مع ما ذكروا من أن امتداد السد في الأرض مائة فرسخ لا يتم إلا بأمر إلهي خارج عن العادة كصرف تأثير حرارة النار العظيمة عن أبدان المباشرين للأعمال، وإلا فمثل تلك الحرارة عادة مما لا يقدر حيوان على أن يحوم حولها، ومثل ذلك النفخ في هاتيك الزبر العظيمة الكثيرة حتى تكون نارا ، ويجوز أن يكون كل من الأمرين بواسطة آلات غريبة أو أعمال أوتيها هو أو أحد ممن معه لا يكاد أحد يعرفها اليوم ، وللحكماء المتقدمين بل والمتأخرين أعمال عجيبة يتوصلون [ ص: 42 ] إليها بآلات غريبة تكاد تخرج عن طور العقل، وهذا مما لا شبهة فيه فليكن ما وقع لذي القرنين من ذلك القبيل ، وقيل : كان بناؤه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها بحيث لم يبق هناك فجوة أصلا .
وأخرج ، ابن جرير عن وابن مردويه أبي بكرة الشفي يأجوج ومأجوج قال : انعته لي، قال: كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء ، قال : قد رأيته ، والظاهر أن الرؤية بصرية لا منامية وهو أمر غريب إن صح الخبر ، وأما ما ذكره بعضهم من أن أن رجلا قال : يا رسول الله قد رأيت سد الواثق بالله العباسي أرسل سلاما الترجمان للكشف عن هذا السد، فذهب جهة الشمال في قصة تطول حتى رآه ثم عاد ، وذكر له من أمره ما ذكر فثقات المؤرخين على تضعيفه ، وعندي أنه كذب لما فيه مما تأبى عنه الآية كما لا يخفى على الواقف عليه تفصيلا .
ولا يخفى لطف الإتيان بالتاء في استطاعوا هنا