[ ص: 258 ] هذا «ومن باب الإشارة في الآيات»
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قد تقدم أن مقام العبودية لا يشابهه مقام ولا يدانيه، ونبينا صلى الله عليه وسلم في أعلى مراقيه، وقد ذكر أن العبد الحقيقي من كان حرا عن الكونين، وليس ذاك إلا سيدهما صلى الله عليه وسلم.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1ولم يجعل له عوجا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قيما قد تقدم في التفسير أن الضمير المجرور عائد على ( الكتاب ) وجعله بعض أهل التأويل عائدا على
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1عبده أي: لم يجعل له عليه الصلاة والسلام انحرافا عن جنابه وميلا إلى ما سواه، وجعله مستقيما في عبوديته سبحانه، وجعل الأمر في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=112فاستقم كما أمرت أمر تكوين
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لينذر بأسا شديدا من لدنه وهو بأس الحجاب والبعد عن الجناب، وذلك أشد العذاب
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات وهي الأعمال التي أريد بها وجه الله تعالى لا غير، وقيل: العمل الصالح التبري من الوجود بوجود الحق
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2أن لهم أجرا حسنا وهي رؤية المولى ومشاهدة الحق بلا حجاب
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا فيه إشارة إلى مزيد شفقته صلى الله عليه وسلم واهتمامه وحرصه على موافقة المخالفين وانتظامهم في سلك الموافقين
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إنا جعلنا ما على الأرض من الأنهار والأشجار والجبال والمعادن والحيوانات
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7زينة لها أي: لأهلها
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7لنبلوهم أيهم أحسن عملا فيجعل ذلك مرآة لمشاهدة أنوار جلاله وجماله سبحانه عز وجل، وقال
ابن عطاء: حسن العمل الإعراض عن الكل، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد: حسن العمل اتخاذ ذلك عبرة وعدم الاشتغال به. وقال بعضهم: أهل المعرفة بالله تعالى والمحبة له هم زينة الأرض، وحسن العمل النظر إليهم بالحرمة.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=8وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا كناية عن ظهور فناء ذلك بظهور الوجود الحقاني والقيامة الكبرى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد قدس الله سره: أي: لا تتعجب منهم فشأنك أعجب من شأنهم حيث أسرى بك ليلا من
المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى، وبلغ بك سدرة المنتهى، وكنت في القرب كقاب قوسين أو أدنى، ثم ردك قبل انقضاء الليل إلى مضجعك.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إذ أوى الفتية إلى الكهف قيل: هم فتيان المعرفة الذين جبلوا على سجية الفتوة، وفتوتهم إعراضهم عن غير الله تعالى فأووا إلى الكهف الخلوة به سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10فقالوا حين استقاموا في منازل الأنس ومشاهد القدس وهيجهم ما ذاقوا إلى طلب الزيادة والترقي في مراقي السعادة
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10ربنا آتنا من لدنك رحمة معرفة كاملة وتوحيدا عزيزا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10وهيئ لنا من أمرنا رشدا بالوصول إليك والفناء فيك
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا كناية عن جعلهم مستغرقين فيه سبحانه فانين به تعالى عما سواه
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا إشارة إلى ردهم إلى الصحو بعد السكر والبقاء بعد الفناء، ويقال أيضا: هو إشارة إلى الجلوة بعد الخلوة، وهما قولان متقاربان
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم الإيمان العلمي
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13وزدناهم هدى بأن أحضرناهم وكاشفناهم
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14وربطنا على قلوبهم سكناها عن التزلزل بما أسكنا فيها من اليقين فلم يسنح فيها هواجس التخمين ولا وساوس الشياطين، ويقال أيضا: رفعناها من حضيض التلوين إلى أوج التمكين.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14إذ قاموا بنا لنا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14فقالوا ربنا رب السماوات والأرض مالك أمرهما ومدبرهما فلا قيام لهما إلا بوجوده المفاض من بحار جوده
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لن ندعو من دونه إلها إذ ما من شيء إلا وهو محتاج إليه سبحانه فلا يصلح لأن يدعى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لقد قلنا إذا شططا كلاما بعيدا عن الحق مفرطا في الظلم، واستدل بعض المشايخ بهذه الآية على أنه ينبغي للسالكين إذا أرادوا الذكر وتحلقوا له أن يقوموا فيذكروا قائمين، قال
ابن الغرس: وهو استدلال
[ ص: 259 ] ضعيف لا يقوم به المدعي على ساق.
وأنت تعلم أنه لا بأس بالقيام والذكر لكن على ما يفعله المتشيخون اليوم فإن ذلك لم يكن في أمة من الأمم ولم يجئ في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بل لعمري إن تلك الحلق حبائل الشيطان وذلك القيام قعود في بحبوحة الخذلان.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله أي: وإذ خرجتم عن صحبة أهل الهوى وأعرضتم عن السوي
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16فأووا إلى الكهف فاخلوا بمحبوبكم
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16ينشر لكم ربكم من رحمته مطوي معرفته
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ما تنتفعون به من أنوار تجلياته ولطائف مشاهداته، قال بعض العارفين: العزلة عن غير الله تعالى توجب الوصلة بالله عز وجل بل لا تحصل الوصلة إلا بعد العزلة، ألا ترى كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجنب بغار حراء حتى جاءه الوحي وهو فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه لئلا يكثر الضوء في الكهف فيقل معه الحضور، فقد ذكروا أن الظلمة تعين على الفكر وجمع الحواس، ومن هنا ترى أهل الخلوة يختارون لخلوتهم مكانا قليل الضياء ومع هذا يغمضون أعينهم عند المراقبة.
وفي أسرار القرآن: أن في الآية إشارة إلى أن الله تعالى حفظهم عن الاحتراق في السبحات فجعل شمس الكبرياء تزاور عن كهف قربهم ذات يمين الأزل وذات شمال الأبد، وهم في فجوة وصال مشاهدة الجمال والجلال محروسون محفوظون عن قهر سلطان صرف الذات الأزلية التي تتلاشى الأكوان في أول بوادي إشراقها.
وفي الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=676705«حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره».
وقيل في تأويله: إن شمس الروح أو المعرفة والولاية إذا طلعت من أفق الهداية وأشرقت في سماء الواردات وهي حالة السكر وغلبة الوجد لا تنصرف في خلوتهم إلى أمر يتعلق بالعقبى وهو جانب اليمين وإذا غربت؛ أي: سكنت تلك الغلبة وظهرت حالة الصحو لا تلتفت همم أرواحهم إلى أمر يتعلق بالدنيا وهو جانب الشمال بل تنحرف عن الجهتين إلى المولى وهم في فراغ عما يشغلهم عن الله تعالى.
وذكر أن فيه إشارة إلى أن نور ولايتهم يغلب نور الشمس ويرده عن الكهف كما يغلب نور المؤمن نار جهنم وليس هذا بشيء، وإن روي عن
ابن عطاء. nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17من يهد الله فهو المهتد الذي رفعت عنه الحجب ففاز بما فاز
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا لأنه لا يخذله سبحانه إلا لسوء استعداده ومتى فقد الاستعداد تعذر الإرشاد
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وتحسبهم أيقاظا وهم رقود إشارة إلى أنهم مع الخلق بأبدانهم ومع الحق بأرواحهم، وقال
ابن عطاء: هم مقيمون في الحضرة كالنومى لا علم لهم بزمان ولا مكان، أحياء موتى صرعى مفيقون، نومى منتبهون
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال أي: ننقلهم من عالم إلى عالم، وقال
ابن عطاء: نقلبهم في حالتي القبض والبسط والجمع والفرق، وقال آخر: نقلبهم بين الفناء والبقاء والكشف والاحتجاب والتجلي والاستتار، وقيل: في الآية إشارة إلى أنهم في التسليم كالميت في يد الغاسل
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد قال
أبو بكر الوراق: مجالسة الصالحين ومجاورتهم غنيمة وإن اختلف الجنس؛ ألا ترى كيف ذكر الله سبحانه كلب أصحاب الكهف معهم لمجاورته إياهم.
وقيل: أشير بالآية إلى أن كلب نفوسهم نائمة معطلة عن الأعمال، وقيل: يمكن أن يراد أن نفوسهم صارت بحيث تطيعهم جميع الأحوال وتحرسهم عما يضرهم
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18لو اطلعت عليهم أي: لو اطلعت من حيث أنت على ما ألبستهم من لباس قهر ربوبيتي وسطوات عظمتي
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18لوليت منهم أي: من رؤية ما عليهم من هيبتي وعظمتي
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18فرارا ولملئت منهم رعبا [ ص: 260 ] كما فر
موسى كليمي من رؤية عصاه حين قلبتها حية وألبستها ثوبا من عظمتي وهيبتي، وهذا الفرار حقيقة منا؛ لأنه من عظمتنا الظاهرة في هاتيك المرآة كذا قرره غير واحد وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وكذلك بعثناهم رددناهم إلى الصحو بعد السكر
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم لأنهم كانوا مستغرقين لا يعرفون اليوم من الأمس ولا يميزون القمر من الشمس، وقيل: إنهم استقلوا أيام الوصال وهكذا شأن عشاق الجمال فسنة الوصل في سنتهم سنة، وسنة الهجر سنة، ويقال: مقام المحب مع الحبيب وإن طال قصير، وزمان الاجتماع وإن كثر يسير؛ إذ لا يقضى من الحبيب وطر وإن فني الدهر، ومر ولا يكاد يعد المحب الليال إذا كان قرير العين بالوصال كما قيل:
أعد الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
ثم إنهم لما رجعوا من السكر إلى الصحو ومن الروحانية إلى البشرية طلبوا ما يعيش به الإنسان واستعملوا حقائق الطريقة؛ وذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف والإشارة فيه أولا إلى أن اللائق بطالبي الله تعالى ترك السؤال، ويرد به على المتشيخين الذين دينهم وديدنهم السؤال وليته كان من الحلال. وثانيا: إلى أن اللائق بهم أن لا يختص أحدهم بشيء دون صاحبه، ألا ترى كيف قال قائلهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19بورقكم هذه فأضاف الورق إليهم جملة، وقد كان فيما يروى فيهم الراعي ولعله لم يكن له ورق. وثالثا: إلى أن اللائق بهم استعمال الورع؛ ألا ترى كيف طلب القائل الأزكى وهو على ما في بعض الروايات الأجل، ولذلك قال ذو النون: العارف من لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، والعجب أن رجلا من المتشيخين كان يأخذ من بعض الظلمة دنانير مقطوعا بحرمتها فقيل له في ذلك فقال: نعم؛ هي جمرات ولكن تطفئ حرارة جوع السالكين، ومع هذا وأمثاله له اليوم مرقد يطوف به من يزور، وتوقد عليه السرج وتنذر له النذور، ورابعا إلى أنه ينبغي لهم التواصي بحسن الخلق وجميل الرفق، ألا ترى كيف قال قائلهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وليتلطف بناء على أنه أمر بحسن المعاملة مع من يشتري منه.
وقال بعض أهل التأويل: إنه أمر باختيار اللطيف من الطعام لأنهم لم يأكلوا مدة، فالكثيف يضر بأجسامهم، وقيل: أرادوا اللطيف لأن أرواحهم من عالم القدس ولا يناسبها إلا اللطيف، وعن
يوسف بن الحسين أنه كان يقول: إذا اشتريت لأهل المعرفة شيئا من الطعام فليكن لطيفا، وإذا اشتريت للزهاد والعباد فاشتر كل ما تجد لأنهم بعد في تذليل أنفسهم، وقال بعضهم: طعام أهل المجاهدات وأصحاب الرياضات ولباسهم الخشن من المأكولات والملبوسات، والذي بلغ المعرفة فلا يوافقه إلا كل لطيف، ويروى عن الشيخ
عبد القادر الكيلاني قدس الله سره أنه كان في آخر أمره يلبس ناعما ويأكل لطيفا. وعندي أن التزام ذلك يخل بالكمال، وما يروى عن
الشيخ قدس سره وأمثاله إن صح يحتمل أن يكون أمرا اتفاقيا، وعلى فرض أنه كان عن التزام يحتمل أنه كان لغرض شرعي وإلا فهو خلاف المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كبار أصحابه رضي الله تعالى عنهم، فقد بين في الكتب الصحيحة حالهم في المأكل والملبس وليس فيها ما يؤيد كلام
يوسف بن الحسين وأضرابه. والله تعالى أعلم.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19ولا يشعرن بكم أحدا أي: من
[ ص: 261 ] الأغيار المحجوبين عن مطالعة الأنوار والوقوف على الأسرار
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم بأحجار الإنكار
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20أو يعيدوكم في ملتهم التي اجتمعوا عليها ولم ينزل الله تعالى بها من سلطان
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20ولن تفلحوا إذا أبدا لأن الكفر حينئذ يكون كالكفر الإبليسي
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إلا أن يشاء الله إرشاد إلى محض التجريد والتفريد، ويحكى عن بعض كبار الصوفية أنه أمر بعض تلامذته بفعل شيء فقال: أفعله إن شاء الله تعالى، فقال له الشيخ بالفارسية ما معناه: يا مجنون، فإذا من أنت، والآية تأبى هذا الكلام غاية الإباء، وفيه على مذهب أهل الوحدة أيضا ما فيه، وقيل: الآية نهي عن أن يخبر صلى الله عليه وسلم عن الحق بدون إذن الحق سبحانه. ففيه إرشاد للمشايخ إلى أنه لا ينبغي لهم التكلم بالحقائق بدون الإذن ولهم أمارات للإذن يعرفونها.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24واذكر ربك إذا نسيت قيل: أي: إذا نسيت الكون بأسره حتى نفسك فإن الذكر لا يصفو إلا حينئذ، وقيل: إذا نسيت الذكر، ومن هنا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد قدس سره:
nindex.php?page=treesubj&link=24407حقيقة الذكر الفناء بالمذكور عن الذكر، وقال قدس سره في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا إن فوق الذكر منزلة هي أقرب منزلة من الذكر وهي تجديد النعوت بذكره سبحانه لك قبل أن تذكره جل وعلا.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا زعم بعض أهل التأويل أن مجموع ذلك خمس وعشرون سنة، واعتبر السنة التي في الآية شهرا وهو زعم لا داعي إليه إلا ضعف الدين ومخالفة جماعة المسلمين، وإلا فأي ضرر في إبقاء ذلك على ظاهره وهو أمر ممكن أخبر به الصادق، ومما يدل على إمكان هذا اللبث أن
أبا علي ابن سينا ذكر في باب الزمان من الشفاء أن
أرسطو ذكر أنه عرض لقوم من المتألهين حالة شبيهة بحالة أصحاب الكهف قال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي: ويدل التاريخ على أنهم قبل أصحاب الكهف. انتهى.
وفي الآية على ما قيل إشارة إلى أن المريد الذي يربيه الله سبحانه بلا واسطة المشايخ يصل في مدة مديدة وسنين عديدة والذي يربيه جل جلاله بواسطتهم يتم أمره في أربعينيات، وقد يتم في أيام معدودات، وأنا أقول: لا حجر على الله سبحانه، وقد أوصل جل وعلا كثيرا من عباده بلا واسطة في سويعات
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26له تعالى شأنه:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26غيب السماوات عالم العلو
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26والأرض عالم السفل، ولا يخفى أن عنوان الغيبة إنما هو بالنسبة إلى المخلوقين وإلا فلا غيب بالنسبة إليه جل جلاله، ومن هنا قال بعضهم: إنه سبحانه لا يعلم الغيب بمعنى أنه لا غيب بالنسبة إليه تعالى ليتعلق به العلم، لكن أنت تعلم أنه لا يجوز التكلم بمثل هذا الكلام، وإن أول بما أول لما فيه ظاهرا من مصادمة الآيات.
وإلى الله تعالى نشكو أقواما ألغزوا الحق وفتنوا بذلك الخلق.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26أبصر به وأسمع أي: ما أبصره تعالى وما أسمعه؛ لأن صفاته عين ذاته
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26ما لهم من دونه من ولي إذ لا فعل لأحد سواه تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26ولا يشرك في حكمه أحدا لكمال قدرته سبحانه وعجز غيره عز شأنه، هذا والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
[ ص: 258 ] هَذَا «وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الْآيَاتِ»
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَقَامَ الْعُبُودِيَّةِ لَا يُشَابِهُهُ مَقَامٌ وَلَا يُدَانِيهِ، وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى مَرَاقِيهِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الْعَبْدَ الْحَقِيقِيَّ مَنْ كَانَ حُرًّا عَنِ الْكَوْنَيْنِ، وَلَيْسَ ذَاكَ إِلَّا سَيِّدُهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قَيِّمًا قَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ عَائِدٌ عَلَى ( الْكِتَابَ ) وَجَعَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَائِدًا عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1عَبْدِهِ أَيْ: لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ انْحِرَافًا عَنْ جَنَابِهِ وَمَيْلًا إِلَى مَا سِوَاهُ، وَجَعَلَهُ مُسْتَقِيمًا فِي عُبُودِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَجُعِلَ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=112فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ أَمْرَ تَكْوِينٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَهُوَ بَأْسُ الْحِجَابِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْجَنَابِ، وَذَلِكَ أَشَدُّ الْعَذَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ وَهِيَ الْأَعْمَالُ الَّتِي أُرِيدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرُ، وَقِيلَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ التَّبَرِّي مِنَ الْوُجُودِ بِوُجُودِ الْحَقِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا وَهِيَ رُؤْيَةُ الْمَوْلَى وَمُشَاهَدَةُ الْحَقِّ بِلَا حِجَابٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=6فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَزِيدِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاهْتِمَامِهِ وَحِرْصِهِ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُخَالِفِينَ وَانْتِظَامِهِمْ فِي سِلْكِ الْمُوَافِقِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالْجِبَالِ وَالْمَعَادِنِ وَالْحَيَوَانَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7زِينَةً لَهَا أَيْ: لِأَهْلِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا فَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِرْآةً لِمُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ جَلَالِهِ وَجَمَالِهِ سُبْحَانَهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ: حُسْنُ الْعَمَلِ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْكُلِّ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14021الْجُنَيْدُ: حُسْنُ الْعَمَلِ اتِّخَاذُ ذَلِكَ عِبْرَةً وَعَدَمُ الِاشْتِغَالِ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْمَحَبَّةِ لَهُ هُمْ زِينَةُ الْأَرْضِ، وَحُسْنُ الْعَمَلِ النَّظَرُ إِلَيْهِمْ بِالْحُرْمَةِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=8وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا كِنَايَةٌ عَنْ ظُهُورِ فَنَاءِ ذَلِكَ بِظُهُورِ الْوُجُودِ الْحَقَّانِيِّ وَالْقِيَامَةِ الْكُبْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=9أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14021الْجُنَيْدُ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ: أَيْ: لَا تَتَعَجَّبْ مِنْهُمْ فَشَأْنُكَ أَعْجَبُ مِنْ شَأْنِهِمْ حَيْثُ أَسْرَى بِكَ لَيْلًا مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَبَلَغَ بِكَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَكُنْتَ فِي الْقُرْبِ كَقَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، ثُمَّ رَدَّكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ اللَّيْلِ إِلَى مَضْجَعِكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ قِيلَ: هُمْ فِتْيَانُ الْمَعْرِفَةِ الَّذِينَ جُبِلُوا عَلَى سَجِيَّةِ الْفُتُوَّةِ، وَفُتُوَّتُهُمْ إِعْرَاضُهُمْ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ الْخَلْوَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10فَقَالُوا حِينَ اسْتَقَامُوا فِي مَنَازِلِ الْأُنْسِ وَمَشَاهِدِ الْقُدْسِ وَهَيَّجَهُمْ مَا ذَاقُوا إِلَى طَلَبِ الزِّيَادَةِ وَالتَّرَقِّي فِي مَرَاقِي السَّعَادَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً مَعْرِفَةً كَامِلَةً وَتَوْحِيدًا عَزِيزًا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=10وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا بِالْوُصُولِ إِلَيْكَ وَالْفَنَاءِ فِيكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=11فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا كِنَايَةٌ عَنْ جَعْلِهِمْ مُسْتَغْرِقِينَ فِيهِ سُبْحَانَهُ فَانِينَ بِهِ تَعَالَى عَمَّا سِوَاهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا إِشَارَةٌ إِلَى رَدِّهِمْ إِلَى الصَّحْوِ بَعْدَ السُّكْرِ وَالْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْجَلْوَةِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ الْإِيمَانَ الْعِلْمِيَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=13وَزِدْنَاهُمْ هُدًى بِأَنْ أَحْضَرْنَاهُمْ وَكَاشَفْنَاهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ سَكَّنَّاهَا عَنِ التَّزَلْزُلِ بِمَا أَسْكَنَّا فِيهَا مِنَ الْيَقِينِ فَلَمْ يَسْنَحْ فِيهَا هَوَاجِسُ التَّخْمِينِ وَلَا وَسَاوِسُ الشَّيَاطِينِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: رَفَعْنَاهَا مِنْ حَضِيضِ التَّلْوِينِ إِلَى أَوْجِ التَّمْكِينِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14إِذْ قَامُوا بِنَا لَنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَالِكُ أَمْرِهِمَا وَمُدَبِّرُهُمَا فَلَا قِيَامَ لَهُمَا إِلَّا بِوُجُودِهِ الْمُفَاضِ مِنْ بِحَارِ جُودِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا إِذْ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَصْلُحُ لِأَنْ يُدْعَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=14لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا كَلَامَا بَعِيدًا عَنِ الْحَقِّ مُفْرِطًا فِي الظُّلْمِ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّالِكِينَ إِذَا أَرَادُوا الذِّكْرَ وَتَحَلَّقُوا لَهُ أَنْ يَقُومُوا فَيَذْكُرُوا قَائِمِينَ، قَالَ
ابْنُ الْغَرْسِ: وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ
[ ص: 259 ] ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِهِ الْمُدَّعِي عَلَى سَاقٍ.
وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ وَالذِّكْرِ لَكِنْ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَشَيِّخُونَ الْيَوْمَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَلَمْ يَجِئْ فِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ لَعَمْرِي إِنَّ تِلْكَ الْحِلَقَ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ وَذَلِكَ الْقِيَامُ قُعُودٌ فِي بُحْبُوحَةِ الْخِذْلَانِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ أَيْ: وَإِذْ خَرَجْتُمْ عَنْ صُحْبَةِ أَهْلِ الْهَوَى وَأَعْرَضْتُمْ عَنِ السَّوِيِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ فَاخْلُوا بِمَحْبُوبِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ مَطْوِيَّ مَعْرِفَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=16وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا مَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنْ أَنْوَارِ تَجَلِّيَاتِهِ وَلَطَائِفِ مُشَاهَدَاتِهِ، قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: الْعُزْلَةُ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى تُوجِبُ الْوَصْلَةَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَلْ لَا تَحْصُلُ الْوَصْلَةُ إِلَّا بَعْدَ الْعُزْلَةِ، أَلَا تَرَى كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَنَّبُ بِغَارِ حِرَاءَ حَتَّى جَاءَهُ الْوَحْيُ وَهُوَ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ لِئَلَّا يَكْثُرَ الضَّوْءُ فِي الْكَهْفِ فَيَقِلَّ مَعَهُ الْحُضُورُ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الظُّلْمَةَ تُعِينُ عَلَى الْفِكْرِ وَجَمْعِ الْحَوَاسِّ، وَمِنْ هُنَا تَرَى أَهْلَ الْخَلْوَةِ يَخْتَارُونَ لِخَلْوَتِهِمْ مَكَانًا قَلِيلَ الضِّيَاءِ وَمَعَ هَذَا يُغْمِضُونَ أَعْيُنَهُمْ عِنْدَ الْمُرَاقَبَةِ.
وَفِي أَسْرَارِ الْقُرْآنِ: أَنَّ فِي الْآيَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَفِظَهُمْ عَنِ الِاحْتِرَاقِ فِي السُّبُحَاتِ فَجَعَلَ شَمْسَ الْكِبْرِيَاءِ تَزَّاوَرُ عَنْ كَهْفِ قُرْبِهِمْ ذَاتَ يَمِينِ الْأَزَلِ وَذَاتَ شِمَالِ الْأَبَدِ، وَهُمْ فِي فَجْوَةِ وِصَالِ مُشَاهَدَةِ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ مَحْرُوسُونَ مَحْفُوظُونَ عَنْ قَهْرِ سُلْطَانِ صَرْفِ الذَّاتِ الْأَزَلِيَّةِ الَّتِي تَتَلَاشَى الْأَكْوَانُ فِي أَوَّلِ بَوَادِي إِشْرَاقِهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=676705«حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ».
وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إِنَّ شَمْسَ الرُّوحِ أَوِ الْمَعْرِفَةِ وَالْوِلَايَةِ إِذَا طَلَعَتْ مِنْ أُفُقِ الْهِدَايَةِ وَأَشْرَقَتْ فِي سَمَاءِ الْوَارِدَاتِ وَهِيَ حَالَةُ السُّكْرِ وَغَلَبَةِ الْوَجْدِ لَا تَنْصَرِفُ فِي خَلْوَتِهِمْ إِلَى أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْعُقْبَى وَهُوَ جَانِبُ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ؛ أَيْ: سَكَنَتْ تِلْكَ الْغَلَبَةُ وَظَهَرَتْ حَالَةُ الصَّحْوِ لَا تَلْتَفِتُ هِمَمُ أَرْوَاحِهِمْ إِلَى أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا وَهُوَ جَانِبُ الشَّمَالِ بَلْ تَنْحَرِفُ عَنِ الْجِهَتَيْنِ إِلَى الْمَوْلَى وَهُمْ فِي فَرَاغٍ عَمَّا يَشْغَلُهُمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَذُكِرَ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ نُورَ وِلَايَتِهِمْ يَغْلِبُ نُورَ الشَّمْسِ وَيَرُدُّهُ عَنِ الْكَهْفِ كَمَا يَغْلِبُ نُورُ الْمُؤْمِنَ نَارَ جَهَنَّمَ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَطَاءٍ. nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الَّذِي رُفِعَتْ عَنْهُ الْحُجُبُ فَفَازَ بِمَا فَازَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=17وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا لِأَنَّهُ لَا يَخْذُلُهُ سُبْحَانَهُ إِلَّا لِسُوءِ اسْتِعْدَادِهِ وَمَتَى فُقِدَ الِاسْتِعْدَادُ تَعَذَّرَ الْإِرْشَادُ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مَعَ الْخَلْقِ بِأَبْدَانِهِمْ وَمَعَ الْحَقِّ بِأَرْوَاحِهِمْ، وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ: هُمْ مُقِيمُونَ فِي الْحَضْرَةِ كَالنَّوْمَى لَا عِلْمَ لَهُمْ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَانٍ، أَحْيَاءٌ مَوْتَى صَرْعَى مُفِيقُونَ، نَوْمَى مُنْتَبِهُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ أَيْ: نَنْقُلُهُمْ مِنْ عَالَمٍ إِلَى عَالَمٍ، وَقَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ: نُقَلِّبُهُمْ فِي حَالَتَيِ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَالْجَمْعِ وَالْفَرْقِ، وَقَالَ آخَرُ: نُقَلِّبُهُمْ بَيْنَ الْفَنَاءِ وَالْبَقَاءِ وَالْكَشْفِ وَالِاحْتِجَابِ وَالتَّجَلِّي وَالِاسْتِتَارِ، وَقِيلَ: فِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ فِي التَّسْلِيمِ كَالْمَيِّتِ فِي يَدِ الْغَاسِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ وَمُجَاوَرَتُهُمْ غَنِيمَةٌ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ أَلَا تَرَى كَيْفَ ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَلْبَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ مَعَهُمْ لِمُجَاوَرَتِهِ إِيَّاهُمْ.
وَقِيلَ: أُشِيرَ بِالْآيَةِ إِلَى أَنَّ كَلْبَ نُفُوسِهِمْ نَائِمَةٌ مُعَطَّلَةٌ عَنِ الْأَعْمَالِ، وَقِيلَ: يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ أَنَّ نُفُوسَهُمْ صَارَتْ بِحَيْثُ تُطِيعُهُمْ جَمِيعُ الْأَحْوَالِ وَتَحْرُسُهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ أَيْ: لَوِ اطَّلَعْتَ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ عَلَى مَا أَلْبَسْتُهُمْ مِنْ لِبَاسِ قَهْرِ رُبُوبِيَّتِي وَسَطَوَاتِ عَظَمَتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ رُؤْيَةِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ هَيْبَتِي وَعَظَمَتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=18فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [ ص: 260 ] كَمَا فَرَّ
مُوسَى كَلِيمِي مِنْ رُؤْيَةِ عَصَاهُ حِينَ قَلَبْتُهَا حَيَّةً وَأَلْبَسْتُهَا ثَوْبًا مِنْ عَظَمَتِي وَهَيْبَتِي، وَهَذَا الْفِرَارُ حَقِيقَةٌ مِنَّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَظَمَتِنَا الظَّاهِرَةِ فِي هَاتِيكَ الْمِرْآةِ كَذَا قَرَّرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ رَدَدْنَاهُمْ إِلَى الصَّحْوِ بَعْدَ السُّكْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَغْرِقِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْيَوْمَ مِنَ الْأَمْسِ وَلَا يُمَيِّزُونَ الْقَمَرَ مِنَ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمُ اسْتَقَلُّوا أَيَّامَ الْوِصَالِ وَهَكَذَا شَأْنُ عُشَّاقِ الْجَمَالِ فَسَنَةُ الْوَصْلِ فِي سَنَتِهِمْ سِنَةٌ، وَسِنَةُ الْهَجْرِ سَنَةٌ، وَيُقَالُ: مَقَامُ الْمُحِبِّ مَعَ الْحَبِيبِ وَإِنْ طَالَ قَصِيرٌ، وَزَمَانُ الِاجْتِمَاعِ وَإِنْ كَثُرَ يَسِيرٌ؛ إِذْ لَا يُقْضَى مِنَ الْحَبِيبِ وَطَرٌ وَإِنْ فَنِيَ الدَّهْرُ، وَمَرَّ وَلَا يَكَادُ يَعُدُّ الْمُحِبُّ اللِّيَالِ إِذَا كَانَ قَرِيرَ الْعَيْنِ بِالْوِصَالِ كَمَا قِيلَ:
أَعُدُّ اللَّيَالِيَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ وَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا لَا أَعُدُّ اللَّيَالِيَا
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا مِنَ السُّكْرِ إِلَى الصَّحْوِ وَمِنَ الرُّوحَانِيَّةِ إِلَى الْبَشَرِيَّةِ طَلَبُوا مَا يَعِيشُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَاسْتَعْمَلُوا حَقَائِقَ الطَّرِيقَةِ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَالْإِشَارَةُ فِيهِ أَوَّلًا إِلَى أَنَّ اللَّائِقَ بِطَالِبِي اللَّهِ تَعَالَى تَرْكُ السُّؤَالِ، وَيُرَدُّ بِهِ عَلَى الْمُتَشَيِّخِينَ الَّذِينَ دِينُهُمْ وَدَيْدَنُهُمُ السُّؤَالُ وَلَيْتَهُ كَانَ مِنَ الْحَلَالِ. وَثَانِيًا: إِلَى أَنَّ اللَّائِقَ بِهِمْ أَنْ لَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمْ بِشَيْءٍ دُونَ صَاحِبِهِ، أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ قَائِلُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ فَأَضَافَ الْوَرِقَ إِلَيْهِمْ جُمْلَةً، وَقَدْ كَانَ فِيمَا يُرْوَى فِيهِمُ الرَّاعِي وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرِقٌ. وَثَالِثًا: إِلَى أَنَّ اللَّائِقَ بِهِمُ اسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ؛ أَلَا تَرَى كَيْفَ طَلَبَ الْقَائِلُ الْأَزْكَى وَهُوَ عَلَى مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأَجَلُّ، وَلِذَلِكَ قَالَ ذُو النُّونِ: الْعَارِفُ مَنْ لَا يُطْفِئُ نُورُ مَعْرِفَتِهِ نُورَ وَرَعِهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُتَشَيِّخِينَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ بَعْضِ الظَّلَمَةِ دَنَانِيرَ مَقْطُوعًا بِحُرْمَتِهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ؛ هِيَ جَمَرَاتٌ وَلَكِنْ تُطْفِئُ حَرَارَةَ جُوعِ السَّالِكِينَ، وَمَعَ هَذَا وَأَمْثَالِهِ لَهُ الْيَوْمَ مَرْقَدٌ يَطُوفُ بِهِ مَنْ يَزُورُ، وَتُوقَدُ عَلَيْهِ السُّرُجُ وَتُنْذَرُ لَهُ النُّذُورُ، وَرَابِعًا إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمُ التَّوَاصِي بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَجَمِيلِ الرِّفْقِ، أَلَا تَرَى كَيْفَ قَالَ قَائِلُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَلْيَتَلَطَّفْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: إِنَّهُ أَمْرٌ بِاخْتِيَارِ اللَّطِيفِ مِنَ الطَّعَامِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْكُلُوا مُدَّةً، فَالْكَثِيفُ يَضُرُّ بِأَجْسَامِهِمْ، وَقِيلَ: أَرَادُوا اللَّطِيفَ لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ مِنْ عَالَمِ الْقُدْسِ وَلَا يُنَاسِبُهَا إِلَّا اللَّطِيفُ، وَعَنْ
يُوسُفَ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا اشْتَرَيْتَ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ فَلْيَكُنْ لَطِيفًا، وَإِذَا اشْتَرَيْتَ لِلزُّهَّادِ وَالْعُبَّادِ فَاشْتَرِ كُلَّ مَا تَجِدُ لِأَنَّهُمْ بَعْدُ فِي تَذْلِيلِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: طَعَامُ أَهْلِ الْمُجَاهَدَاتِ وَأَصْحَابِ الرِّيَاضَاتِ وَلِبَاسُهُمُ الْخَشِنُ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَلْبُوسَاتِ، وَالَّذِي بَلَغَ الْمَعْرِفَةَ فَلَا يُوَافِقُهُ إِلَّا كُلُّ لَطِيفٍ، وَيُرْوَى عَنِ الشَّيْخِ
عَبْدِ الْقَادِرِ الْكِيلَانِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ يَلْبَسُ نَاعِمًا وَيَأْكُلُ لَطِيفًا. وَعِنْدِي أَنَّ الْتِزَامَ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْكَمَالِ، وَمَا يُرْوَى عَنِ
الشَّيْخِ قُدِّسَ سِرُّهُ وَأَمْثَالِهِ إِنْ صَحَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا اتِّفَاقِيًّا، وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُ كَانَ عَنِ الْتِزَامٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَإِلَّا فَهُوَ خِلَافُ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، فَقَدْ بُيِّنَ فِي الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ حَالُهُمْ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَلْبَسِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ
يُوسُفَ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَضْرَابِهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=19وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا أَيْ: مِنَ
[ ص: 261 ] الْأَغْيَارِ الْمَحْجُوبِينَ عَنْ مُطَالَعَةِ الْأَنْوَارِ وَالْوُقُوفِ عَلَى الْأَسْرَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ بِأَحْجَارِ الْإِنْكَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ الَّتِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا لِأَنَّ الْكُفْرَ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْكُفْرِ الْإِبْلِيسِيِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=23وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِرْشَادٌ إِلَى مَحْضِ التَّجْرِيدِ وَالتَّفْرِيدِ، وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِ كِبَارِ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ أَمَرَ بَعْضَ تَلَامِذَتِهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ فَقَالَ: أَفْعَلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ بِالْفَارِسِيَّةِ مَا مَعْنَاهُ: يَا مَجْنُونُ، فَإِذًا مَنْ أَنْتَ، وَالْآيَةُ تَأْبَى هَذَا الْكَلَامَ غَايَةَ الْإِبَاءِ، وَفِيهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْوَحْدَةِ أَيْضًا مَا فِيهِ، وَقِيلَ: الْآيَةُ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُخْبِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَقِّ بِدُونِ إِذْنِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ. فَفِيهِ إِرْشَادٌ لِلْمَشَايِخِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمُ التَّكَلُّمُ بِالْحَقَائِقِ بِدُونِ الْإِذْنِ وَلَهُمْ أَمَارَاتٌ لِلْإِذْنِ يَعْرِفُونَهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ قِيلَ: أَيْ: إِذَا نَسِيتَ الْكَوْنَ بِأَسْرِهِ حَتَّى نَفْسَكَ فَإِنَّ الذِّكْرَ لَا يَصْفُو إِلَّا حِينَئِذٍ، وَقِيلَ: إِذَا نَسِيتَ الذِّكْرَ، وَمِنْ هُنَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14021الْجُنَيْدُ قُدِّسَ سِرُّهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=24407حَقِيقَةُ الذِّكْرِ الْفَنَاءُ بِالْمَذْكُورِ عَنِ الذِّكْرِ، وَقَالَ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=24وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا إِنَّ فَوْقَ الذِّكْرِ مَنْزِلَةً هِيَ أَقْرَبُ مَنْزِلَةً مِنَ الذِّكْرِ وَهِيَ تَجْدِيدُ النُّعُوتِ بِذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ لَكَ قَبْلَ أَنْ تَذْكُرَهُ جَلَّ وَعَلَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=25وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَاعْتَبَرَ السَّنَةَ الَّتِي فِي الْآيَةِ شَهْرًا وَهُوَ زَعْمٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ إِلَّا ضَعْفُ الدِّينِ وَمُخَالَفَةُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا فَأَيُّ ضَرَرٍ فِي إِبْقَاءِ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ مُمْكِنٌ أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِ هَذَا اللُّبْثِ أَنَّ
أَبَا عَلِيٍّ ابْنَ سِينَا ذَكَرَ فِي بَابِ الزَّمَانِ مِنَ الشِّفَاءِ أَنَّ
أَرِسْطُو ذَكَرَ أَنَّهُ عَرَضَ لِقَوْمٍ مِنَ الْمُتَأَلَّهِينَ حَالَةٌ شَبِيهَةٌ بِحَالَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ: وَيَدُلُّ التَّارِيخُ عَلَى أَنَّهُمْ قَبْلَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ. انْتَهَى.
وَفِي الْآيَةِ عَلَى مَا قِيلَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرِيدَ الَّذِي يُرَبِّيهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِلَا وَاسِطَةِ الْمَشَايِخِ يَصِلُ فِي مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ وَسِنِينَ عَدِيدَةٍ وَالَّذِي يُرَبِّيهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِوَاسِطَتِهِمْ يَتِمُّ أَمْرُهُ فِي أَرْبَعِينِيَّاتٍ، وَقَدْ يَتِمُّ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَجْرَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ أَوْصَلَ جَلَّ وَعَلَا كَثِيرًا مِنْ عِبَادِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ فِي سُوَيْعَاتٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26لَهُ تَعَالَى شَأْنُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26غَيْبُ السَّمَاوَاتِ عَالَمِ الْعُلُوِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26وَالأَرْضِ عَالَمِ السُّفْلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عُنْوَانَ الْغَيْبَةِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ وَإِلَّا فَلَا غَيْبَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا غَيْبَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى لِيَتَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ، لَكِنْ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، وَإِنَّ أُوِّلَ بِمَا أُوِّلَ لِمَا فِيهِ ظَاهِرًا مِنْ مُصَادَمَةِ الْآيَاتِ.
وَإِلَى اللَّهِ تَعَالَى نَشْكُو أَقْوَامًا أَلْغَزُوا الْحَقَّ وَفَتَنُوا بِذَلِكَ الْخَلْقَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ أَيْ: مَا أَبْصَرَهُ تَعَالَى وَمَا أَسْمَعَهُ؛ لِأَنَّ صِفَاتِهِ عَيْنُ ذَاتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ إِذْ لَا فِعْلَ لِأَحَدٍ سِوَاهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَعَجْزِ غَيْرِهِ عَزَّ شَأْنُهُ، هَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.