والجان هو أبو الجن كما روي عن ويجمع على جنان كحائط وحيطان وراع ورعيان قاله الطبرسي، وقيل: هو إبليس وروي عن ابن عباس الحسن لكن في الدر المصون أنه هو أبو الجن، وقال ابن بحر: هو اسم لجنس الجن وتشعب الجنس لما كان من فرد واحد مخلوق من مادة واحدة كان الجنس مخلوقا منها. وقتادة
وقرأ الحسن «والجأن» بالهمز وانتصابه بفعل يفسره وعمرو بن عبيد خلقناه وهو هنا أقوى من الرفع للعطف على الجملة الفعلية من قبل أي من قبل خلق الإنسان، قيل: ومن هنا يظهر جواز كون الرماد بالمستقدمين أحد الثقلين وبالمستأخرين الآخر والخطاب بقوله تعالى: ( منكم ) للكل وهو بعيد غاية البعد.
من نار السموم أي الريح الحارة التي تقتل. وروي ذلك عن ، وأكثر ما تهب في النهار وقد تهب ليلا. وسميت سموما لأنها بلطفها تنفذ في مسام البدن ومنه السم القاتل، ويقال: سم يومنا يسم إذا هبت فيه تلك الريح، وقيل: السموم نار لا دخان لها ومنها تكون الصواعق، وروى ذلك ابن عباس أبو روق عن عن الضحاك فالإضافة من إضافة العام إلى الخاص، وقيل: السموم إفراط الحر والإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة، والمراد من النار المفرطة الحرارة، وقد جاء في بعض الآثار ما يدل على أن النار التي خلق منها الجان أشد حرارة من النار المعروفة. ابن عباس
فقد أخرج عن ابن مردويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ابن مسعود رؤيا المسلم جزء من سبعين جزءا من النبوة وهذه النار جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجان وتلا [ ص: 35 ] عليه الصلاة والسلام الآية » واستشكل الخلق من النار بأنه كيف تخلق الحياة فيها وهي بسيطة ليست متركبة من أجزاء مختلفة الطبع والحياة كالمزاج لا تكون إلا في المركبات وقد اشترط الحكماء فيها البنية المركبة.
وأجيب بمنع ذلك لأنها إذا خلقت في المجردات كالملائكة على قول والعقول التي أثبتها الفلاسفة فبالطريق الأولى البسائط بل لا مانع أيضا أن تخلق في الأجزاء الفردة خلافا للمعتزلة حيث اشترطوا البنية المركبة من الجواهر وليس لهم سوى شبه أوهن من بيت العنكبوت على أن ذلك غير وارد رأسا لأن معنى كون الجن مخلوقة من نار أنها الجزء الأعظم الغالب عليها كالتراب في الإنسان فليست بسيطة، وقال بعضهم: إن الجن أجسام هوائية أو نارية بمعنى أنهم يغلب عليهم ذلك وهم مركبون من العناصر الأربعة كالملائكة عليهم السلام على قول.
ثم إن النقل الظاهر عن أكثر الفلاسفة إنكار الجن وليس ذلك مذهب جميعهم فقد ذهب جمع عظيم من قدمائهم إلى وجودهم وهو مذهب جمهور أرباب الملل وأصحاب الروحانيات ويسمونهم بالأرواح السفلية وزعموا أنهم أسرع إجابة من الأرواح الفلكية إلا أنها أضعف. نعم اختلف المثبتون فمنهم من زعم أنهم ليسوا أجساما ولا حالين فيها بل هم جواهر قائمة بأنفسها لكنها أنواع مختلفة بالماهية كاختلاف ماهيات الأعراض بعد استوائها في الحاجة إلى المحل فبعضها كريمة حرة محبة للخيرات وبعضها دنية خسيسة محبة للشرور ولا يعلم عدد أنواعهم إلا الله تعالى ولا يبعد أن يكون من أنواعها من يقدر على أفعال شاقة يعجز عنها قدرة البشر وكذا لا يبعد لكل نوع منها تعلق بنوع مخصوص من أجسام هذا العالم. ومن الناس من زعم أن هذه الأرواح البشرية والنفوس الناطقة إذا فارقت أبدانها وازدادت قوة وكمالا بسبب ما في ذلك العالم الروحاني من انكشاف الأسرار الروحانية فإذا اتفق حدوث بدن مشابه للبدن الذي فارقته فبسبب تلك المشابهة يحصل لتلك النفس المفارقة تعلق ما بهذا البدن وتصير معاونة لنفس ذلك البدن في أفعالها وتدبيرها لذلك البدن فإن اتفقت هذه الحالة في النفوس الخيرة سمي ذلك المعين ملكا وتلك الإعانة إلهاما، وإن اتفقت في النفوس الشريرة سمي ذلك المعين شيطانا وتلك الإعانة وسوسة، ومنهم من قال: إنهم أجسام لكن اختلفوا فقال بعضهم: هي مختلفة الماهية وإن اشتركت في صفة، وقال آخرون: إنها متساوية في تمام الماهية، وقد أطال الكلام في ذلك الإمام في تفسير سورة الجن، وذكر في تفسير هذه الآية أنهم اختلفوا في الجن فقال بعضهم:
إنهم جنس غير الشياطين، والأصح أن الشياطين قسم من الجن، فكل من كان منهم مؤمنا فإنه لا يسمى بالشيطان، وكل من كان منهم كافرا سمي بهذا الاسم، والدليل على صحة ذلك أن لفظ الجن مشتق من الاستتار فكل من كان كذلك كان من الجن اه، وما ذكره من الأصح هو الذي ذهب إليه المعظم لكن ما ذكره من الدليل ضعيف.
وقال : إن من الجن من يولد له ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين، ومنهم من هو بمنزلة الريح لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون وهم الشياطين. وذكر وهب ابن عربي أن تناسل الجن بإلقاء الهواء في رحم الأنثى كما أن التناسل في البشر بإلقاء الماء في الرحم، وأنهم محصورون في اثنتي عشرة قبيلة أصولا ثم يتفرعون إلى أفخاذ، ويقع بينهم حروب وبعض الزوابع يكون عند حربهم، فإن الزوبعة تقابل ريحين تمنع كل صاحبتها أن تخترقها فيؤدي ذلك إلى الدور وما كل زوبعة حرب.
وأخرج في الأسماء البيهقي وأبو نعيم وغيرهم بإسناد صحيح- كما قال والديلمي العراقي - عن أبي ثعلبة مرفوعا: وفي هذه القسمة عندي إشكال يظهر بالتدبر، ولعل حاصلها أن صنفا منهم يغلب عليهم الطيران في الهواء، وصنف يغلب عليهم الحل والارتحال، وصنف يغلب عليهم المكث والتوطن ببعض المواطن، وعبر عنهم بالحيات والكلاب لكثرة تشكلهم بذلك دون الصنفين الآخرين، فإنهم وإن جاز عليهم التشكل بالأشكال المختلفة لأنهم من الجن، وقد قالوا: إنهم قادرون على ذلك وإن نوزع فيه بأنه يستلزم أن لا تبقى ثقة بشيء. ورد بأن الله تعالى قد تكفل لهذه الأمة بعصمتها عن أن يقع فيها ما يترتب عليه الريبة في الدين ورفع الثقة بعالم وغيره فاستحال شرعا الاستلزام المذكور- إلا أنهم لا يكثر تشكلهم بذلك، وربما يقال: إن القدرة على التشكل إنما هي لصنف المتوطنين، وإثباتها في كلامهم للجن يكفي فيه صحتها باعتبار بعض الأصناف لكنه بعيد جدا فليتدبر حقه، وقد قال الجن ثلاثة أصناف فصنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف [ ص: 36 ] يحلون ويظعنون، الهيتمي : إن رجال هذا الحديث وثقوا وفي بعضهم ضعف، فإن كان الحديث لذلك ضعيفا فلا قيل ولا قال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، وسيأتي إن شاء الله تعالى استيفاء الكلام في هذا المقام بعون الله تعالى الملك العلام، ثم إن مساق الآية الكريمة- على ما قيل- كما هو للدلالة على كمال قدرته تعالى شأنه وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على مقدمة يتوقف عليها إمكان الحشر وهي قبول المواد للجمع والإحياء فتدبر.