الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال البخاري : باب ما جاء في سبع أرضين ، وقوله تعالى : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما [ الطلاق : 12 ] . ثم قال : بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وكانت بينه وبين ناس خصومة في أرض ، فدخل على عائشة فذكر لها ذلك فقالت : يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين .

            وذكر البخاري هاهنا حديث محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا . الحديث . ومراده - والله أعلم - تقرير قوله تعالى : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن [ الطلاق : 12 ] . أي في العدد كما أن عدة الشهور الآن اثنا عشر مطابقة لعدة الشهور عند الله في كتابه الأول فهذه مطابقة في الزمن كما أن تلك مطابقة في المكان .



            والأحاديث في هذه المسألة كالمتواترة في إثبات سبع أرضين ، والمراد بذلك أن كل واحدة فوق الأخرى ، والتي تحتها في وسطها عند أهل الهيئة حتى ينتهي الأمر إلى السابعة ، وهي صماء لا جوف لها ، وفي وسطها المركز ، وهو نقطة مقدرة متوهمة ، وهو محط الأثقال إليه ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يعاوقه مانع . واختلفوا هل هن متراكمات بلا تفاصل أو بين كل واحدة والتي تليها خلاء ؟ على قولين . وهذا الخلاف جار في الأفلاك أيضا . والظاهر أن بين كل واحدة منهن وبين الأخرى مسافة لظاهر قوله تعالى : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن [ الطلاق : 12 ] . الآية .

            وقال الإمام أحمد : بسنده عن أبي هريرة قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت سحابة ، فقال : أتدرون ما هذه ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : العنان وزوايا الأرض ، يسوقه الله إلى من لا يشكرونه من عباده ولا يدعونه . أتدرون ما هذه فوقكم ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال : الرقيع موج مكفوف وسقف محفوظ . أتدرون كم بينكم وبينها ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : مسيرة خمسمائة سنة ، ثم قال : أتدرون ما الذي فوقها ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : مسيرة خمسمائة عام . حتى عد سبع سماوات . ثم قال : أتدرون ما فوق ذلك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : العرش . أتدرون كم بينه وبين السماء السابعة ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : مسيرة خمسمائة عام ، ثم قال : أتدرون ما هذه تحتكم ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : أرض . أتدرون ما تحتها ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : أرض أخرى أتدرون كم بينهما ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : مسيرة سبعمائة عام . حتى عد سبع أرضين . ثم قال : وايم الله لو دليتم أحدكم إلى الأرض السفلى السابعة لهبط ، ثم قرأ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [ الحديد : 3 ] . . ورواه الترمذي عن أبي هريرة . وذكره ، إلا أنه ذكر أن بعد ما بين كل أرضين خمسمائة عام ،

            وقد تقدم عند صفة العرش من حديث الأوعال ما يخالف هذا في ارتفاع العرش عن السماء السابعة ، وما يشهد له . وفيه : " وبعد ما بين كل سماءين خمسمائة عام ، وكثفها أي سمكها خمسمائة عام " .

            وأما ما ذهب إليه بعض المتكلمين على حديث " طوقه من سبع أرضين " أنها سبعة أقاليم ; فهو قول يخالف ظاهر الآية والحديث الصحيح ، وصريح كثير من ألفاظه مع ما ذكرنا من الحديث الذي أوردناه من طريق الحسن عن أبي هريرة . ثم إنه حمل الحديث والآية على خلاف ظاهرهما بلا مستند ولا دليل ، والله أعلم .

            وهكذا ما يذكره كثير من أهل الكتاب ، وتلقاه عنهم طائفة من علمائنا من أن هذه الأرض من تراب ، والتي تحتها من حديد ، والأخرى من حجارة من كبريت ، والأخرى من كذا . فكل هذا إذا لم يخبر به ويصح سنده إلى معصوم فهو مردود على قائله . وهكذا الأثر المروي عن ابن عباس أنه قال : في كل أرض من الخلق مثل ما في هذه الأرض حتى آدم كآدمكم ، وإبراهيم كإبراهيمكم . فهذا ذكره ابن جرير مختصرا ، واستقصاه البيهقي في الأسماء والصفات ، وهو محمول إن صح نقله عنه على أن ابن عباس رضي الله عنه أخذه عن الإسرائيليات ، والله أعلم .

            وقيل أن الأرض كان طبقا واحدا ، فشقها سبحانه سبعا ، وكذلك السماء .

            قال كعب : هذه الأرض على صخرة خضراء في كف ملك ، وذلك الملك قائم على ظهر الحوت ، وذلك الحوت منطو بالسماوات السبع من تحت الأرض .

            وقال ابن عباس : الصخرة على منكبي ملك والملك على الثور والثور على الماء ، والماء متن الريح .

            وقال وهب : اسم الحوت بهموت .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية