إجماعا أي : خروج عن طاعة الزوج ، وإن لم تأثم كصغيرة ومجنونة ، ومكرهة ، وإن قدر على ردها للطاعة فترك أي : إلحاقا بذلك بالجناية قيل : المراد بالسقوط منع الوجوب لا حقيقته إذ لا يكون إلا بعد الوجوب انتهى ، وليس على إطلاقه بل المراد به هنا حقيقته إذ لو نشزت أثناء يوم ، أو ليل سقطت نفقته الواجبة بفجره ، أو أثناء فصل سقطت كسوته الواجبة بأوله ، ويعلم من ذلك سقوطها لما بعد يوم ، وفصل النشوز بالأولى ، ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها [ ص: 326 ] إن كان ممن يخفى عليه ذلك كما هو قياس نظائره ، وإنما لم يرجع من أنفق في نكاح ، أو شراء فاسد ، وإن جهل ذلك ؛ لأنه شرع في عقدهما على أن يضمن المؤن بوضع اليد ، ولا كذلك هنا ويحصل ( ولو ) بحبسها ظلما ، أو بحق وإن كان الحابس وهو الزوج إلا إن كانت معسرة وعلم على الأوجه ، ثم رأيت ( وتسقط ) المؤن كلها ( بنشوز ) منها أبا زرعة أفتى بذلك .
فإن قلت : ما ذكر في حبس الزوج لها مشكل ؛ لأنه إذا كان هو الحابس يمكنه التمتع بها فيه ، أو بإخراجها منه إلى محل لائق ، ثم يعيدها إليه قلت : كل من هذين فيه مشقة عليه فلم يعد قادرا عليها أما في الأول فواضح ، وأما في الثاني فلأنه إذا فعل بها ذلك لم يؤثر فيها الحبس فلم يفده شيئا ، فإن قلت : ما الفرق بين هذا وما يأتي أنه لو طلبها للسفر معه فأقرت بدين فمنعها المقر له منه بقيت نفقتها قلت : الفرق أنه ثم ما لم يسافر يعد متمكنا منها بلا مشقة فالامتناع إنما هو منه بخلافه فيما هنا ، وتعين السفر عليه نادر لا يعول عليه ، أو باعتدادها لوطء شبهة ، أو بغصبها ، أو ( بمنع ) الزوجة للزوج من نحو ( لمس ) ، أو نظر بتغطية وجهها ، أو تولية عنه ، وإن مكنته من الجماع ( بلا عذر ) ؛ لأنه حقه كالوطء بخلافه بعذر كأن كان بفرجها قرحة ، وعلمت أنه متى لمسها واقعها ( وعبالة زوج ) بفتح العين أي : كبر ذكره بحيث لا تحتمله ( أو مرض ) بها ( يضر معه الوطء ) ، أو نحو حيض ( عذر ) في عدم التمكين من الوطء فتستحق المؤن ، وتثبت عبالته بأربع نسوة .
فإن لم يكن معرفتها إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن ، وليس لها امتناع من زفاف لعبالة بخلاف المرض لتوقع شفائه ( والخروج من بيته ) أي : من المحل الذي رضي بإقامتها فيه ، ولو ببيتها أو بيت أبيها كما هو ظاهر ، ولو لعبادة ، وإن كان غائبا بتفصيله الآتي [ ص: 327 ] ( بلا إذن ) منه ولا ظن رضاه عصيان و ( نشوز ) إذ له عليها حق الحبس في مقابلة المؤن ، وأخذ الأذرعي ، وغيره من كلام الإمام أن لها اعتماد العرف الدال على رضا أمثاله لمثل الخروج الذي تريده ، وهو محتمل ما لم يعلم منه غيرة تقطعه عن أمثاله في ذلك ، ومن الإذن قوله : إن لم تخرجي ضربتك فلا يسقط به حقها ما لم يطلبها للرجوع فتمتنع كما أفتى به بعضهم ، ويتعين حمله على امتناعها عبثا لا خوفا من ضربه الذي توعدها به إلا إن أمنها ووثقت بصدقه فيما يظهر ( إلا أن يشرف ) البيت أي : أو بعضه الذي يخشى منه كما هو ظاهر ( على انهدام ) وهل يكفي قولها خشيت انهدامه ، أو لا بد من قرينة تدل عليه عادة ؟ كل محتمل والثاني أقرب ، أو تخاف على نفسها ، أو مالها كما هو ظاهر من فاسق ، أو سارق .
ويظهر أن الاختصاص الذي له وقع كذلك ، أو تحتاج للخروج لقاض لطلب حقها ، أو الخروج لتعلم ، أو استفتاء لم يغنها الزوج الثقة أي : أو نحو محرمها كما هو ظاهر عنه ، ويظهر أنها لو احتاجت للخروج لذلك وخشي عليها منه فتنة والزوج غير ثقة ، أو امتنع من أن يعلمها ، أو يسأل لها أجبره القاضي على أحد الأمرين ، ولو بأن يخرج معها أو يستأجر من يسأل لها ، أو يخرجها معير المنزل ، أو متعد ظلما ، أو يهددها بضرب ممتنع فتخرج خوفا منه فخروجها حينئذ غير نشوز للعذر فتستحق النفقة ما لم يطلبها لمنزل لائق فتمتنع ويظهر تصديقها في عذر ادعته إن كان مما لا يعلم إلا منها كالخوف مما ذكر ، وإلا احتاجت إلى إثباته ، وقد يشكل ما ذكر هنا من إخراج المتعدي لها بحبسها ظلما إلا أن يفرق بأن نحو الحبس مانع عرفا بخلاف مجرد إخراجها من منزلها ، ومن النشوز أيضا امتناعها من السفر معه ، ولو لغير نقلة كما هو ظاهر لكن بشرط أمن الطريق والمقصد ، وأن لا يكون السفر في البحر الملح [ ص: 328 ] إلا إن غلبت فيه السلامة ، ولم يخش من ركوبه ضررا يبيح التيمم ، أو يشق مشقة لا تحتمل عادة .
وعلى هذا التفصيل الذي ذكره البلقيني ، واعتمده غيره يحمل إطلاق جمع منهم القفال المنع ، وجرى عليه في الأنوار وكذا وابن الصلاح الإسنوي بل زاد أنه يحرم إركابها ، ولو بالغة ولو طلبها للسفر فأقرت بدين عليها ليمنعها الدائن منه بطلب حبسها ، أو التوكل بها فالقياس صحة الإقرار ظاهرا لكن يظهر أن للزوج تحليف المقر له أن الإقرار عن حقيقة ، ثم رأيت شريحا الروياني صرح بصحة الإقرار ، واعتمده الأذرعي وغيره قال الأذرعي : لكن لو أقام بينة بأنها أقرت فرارا من السفر فوجهان وقبوله بعيد إلا إن توفرت القرائن بحيث تقارب القطع فهو محتمل ، وقد يعرفونه بإقرارها ، أو بإقرار الغريم انتهى . وتخطئة التاج الفزاري ما ذكره شريح بأن حق الزوج لا يسقط بإقرارها غير صحيحة ؛ لأن الإقرار إخبار عن حق سابق فالمدار فيه على الظواهر لا غير كيف وإقرار المفلس بعد الحجر بدين قبله صحيح مع ظهور المواطأة فيه غالبا ، ولم ينظروا إليها ، ثم رأيتني ذكرت ذلك أواخر التفليس بزيادة فراجعه .
وإقرارها بإجارة عين سابقة على النكاح كهو بالدين ولو كان لها عليه مهر فلها الامتناع من السفر معه حتى يوفيها كما أفاده قول القفال في فتاويه إذا دفع لامرأته صداقها فليس لها الامتناع من السفر معه والقاضي في فتاويه للولي قال حمل موليته من بلد الزوج إلى بلده حتى يقبض مهرها الزركشي وابن العماد : وقياسه أن لبالغة زوجها الحاكم ولم يعطها الزوج مهرها السفر لبلدها مع محرم لكن توقف الأذرعي فيما قاله القاضي فهذه أولى والذي يتجه في دينها عليه الحال المهر وغيره أنه عذر في امتناعها من السفر ؛ لأنه إذا جاز لها منعه منه فأولى منعه من إجبارها عليه ، ويلحق المعسر بالموسر في ذلك فيما يظهر فأما سفر الولي ، وسفرها المذكوران فالوجه امتناعهما إلا في مهر جاز لها حبس نفسها لتقبضه .