( والستر ) للعورة ، وإن قلنا بالأصح : إنها ليست بدلا عن ركعتين ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي عقب الخطبة فالظاهر أنه كان يخطب وهو متطهر مستور ( وتسن ) الخطبة ( على منبر ) ، ولو في مكة خلافا لمن قال يخطب على باب الكعبة وذلك للاتباع وخطبته صلى الله عليه وسلم على بابها بعد الفتح إنما هو لتعذر منبر ثم حينئذ ، ولهذا لما أحدثه ثم أجمعوا عليه كما أجمعوا على أذان الجمعة الأول لما أحدثه هو أو معاوية عثمان رضي الله عنهما ، ويسن وضعه على يمين المحراب أي المصلى فيه إذ القاعدة أن كل ما قابلته يسارك يمينه وعكسه ومن ثم عبر جمع بيسار المحراب وكان الصواب أن الطائف بالكعبة مبتدئ من يمينها لا يسارها ، ومنبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير المسماة بالمستراح ويسن الوقوف على التي تليها للاتباع نعم إن طال وقف على السابعة وبحث أن ما اعتيد الآن من النزول في الخطبة الثانية إلى درجة سفلى ، ثم العود بدعة قبيحة شنيعة [ ص: 460 ] ( أو ) محل ( مرتفع ) إن فقد المنبر ؛ لأنه أبلغ في الإعلام
فإن فقد استند لنحو خشبة ( ويسلم ) ندبا إذا دخل من باب المسجد لإقباله عليهم ، ثم ( على من عند المنبر ) إذا انتهى إليه للاتباع ولأنه يريد مفارقتهم وظاهر كلامهم أنه لو تعددت الصفوف بين الباب والمنبر لا يسلم إلا على الصف الذي عند الباب والصف الذي عند المنبر والذي يتجه وهو القياس أنه يسن له السلام على كل صف أقبل عليهم ولعل اقتصارهم على ذينك لأنهما آكد ، ثم رأيت الأذرعي صرح بنحو ذلك ومر أنه لا يسن له تحية المسجد للاتباع ، وإن قال كثيرون بندبها له فإذا صعد سلم ثالثا ؛ لأنه استدبرهم في صعوده فكأنه فارقهم ( وأن يقبل عليهم ) بوجهه كهم ؛ لأنه اللائق بأدب الخطاب ولما فيه من توجههم للقبلة ولأنه أبلغ لقبول الوعظ وتأثيره ومن ثم كره خلافه نعم يظهر في المسجد الحرام أنه لا كراهة في استقبالهم لنحو ظهره أخذا من العلة الثانية ولأنهم محتاجون لذلك فيه غالبا على أنه من ضروريات الاستدارة المندوبة لهم في الصلاة إذ أمر الكل بالجلوس تلقاء وجهه ، ثم بالاستدارة بعد فراغه في غاية العسر والمشقة ( إذا صعد ) الدرجة التي تلي مجلسه وتسمى المستراح ( ويسلم عليهم ) كما مر للاتباع وفي المرات المذكورة يلزمهم على الكفاية الرد ( ويجلس ، ثم ) هي بمعنى الفاء التي أفادتها عبارة أصله ( يؤذن بين يديه ) والأولى اتحاد المؤذن للاتباع إلا لعذر وبفراغ الأذان أي وما يسن بعده من الذكر يشرع في الخطبة وأما الأذان الذي قبله على المنارة فأحدثه عثمان رضي الله عنه وقيل رضي الله عنه لما كثر الناس ومن ثم كان الاقتصار على الاتباع أفضل أي إلا لحاجة كأن توقف حضورهم على [ ص: 461 ] ما بالمناثر . معاوية
( تنبيه ) كلامهم هذا وغيره صريح في أن اتخاذ مرق للخطيب يقرأ الآية والخبر المشهورين بدعة وهو كذلك ؛ لأنه حدث بعد الصدر الأول قيل لكنها حسنة لحث الآية على ما يندب لكل أحد من إكثار الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم لا سيما في هذا اليوم ولحث الخبر على تأكد الإنصات المفوت تركه لفضل الجمعة بل موقع في الإثم عند كثيرين من العلماء . ا هـ . وأقول يستدل لذلك أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى في حجة الوداع فقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بأن يستنصت له الناس وهذا هو شأن المرقي فلم يدخل ذكره للخبر في حيز البدعة أصلا
فإن قلت لم أمر بذلك في منى دون المدينة قلت لاجتماع أخلاط الناس وجفاتهم ، ثم فاحتاجوا لمنبه بخلاف أهل المدينة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينبههم بقراءته ذلك الخبر على المنبر في خطبته أي في غاية من الفصاحة ورصانة السبك وجزالة اللفظ لأنها حينئذ تكون أوقع في القلب بخلاف المبتذلة الركيكة كالمشتملة على الألفاظ المألوفة أي في كلام العوام ونحوهم ويؤخذ من ندب البلاغة فيها حسن ما يفعله بعض الخطباء من تضمينها آيات وأحاديث مناسبة لما هو فيه إذ الحق أن تضمين ذلك والاقتباس منه ولو في شعر جائز ، وإن غير نظمه ومن ثم اقتضى كلام صاحب البيان وغيره أنه لا محظور في أن يراد بالقرآن غيره { ك ( وأن تكون ) الخطبة ( بليغة ) ادخلوها بسلام } لمستأذن نعم إن كان ذلك في نحو مجون حرم بل ربما أفضى إلى الكفر ومن ذكر ما يناسب الزمن والأحوال العارضة فيه في خطبهم للاتباع ولأن من لازم رعاية البلاغة رعاية مقتضى ظاهر الحال في سوق ما يطابقه ( مفهومة ) أي قريبة الفهم لأكثر الحاضرين لأن الغريب الوحشي لا ينتفع به قال المتولي وتكره الكلمات المشتركة أي بين معان على السواء والبعيدة عن الأفهام وما تنكره عقول بعض الحاضرين . ا هـ .
وقد يحرم الأخير إن أوقع في محظور ( قصيرة ) يعني متوسطة فلا ينافي ندب قراءة ق في أولهما في كل جمعة وذلك ؛ لأن الطويلة تمل وتضجر وللأمر في خبر بقصرها وتطويل الصلاة ، وقال إن ذلك من فقه الرجل فهي قصيرة بالنسبة للصلاة ، وإن كانت متوسطة في نفسها فلا اعتراض على المتن خلافا لمن زعمه [ ص: 462 ] ( ولا يلتفت يمينا و ) لا ( شمالا ) ولا خلفا ( في شيء منها ) ؛ لأن ذلك بدعة ويكره دق الدرج في صعوده وإفتاء مسلم الغزالي بندبه تنبيها للناس ضعيف ، ومع ذلك ففيه تأييد لما مر من ندب المرقى والدعاء قبل الجلوس وساعة الإجابة إنما هي من جلوسه إلى فراغ الصلاة على الأصح من نحو خمسين قولا فيها وذكر شعر فيها واعترض بأن عمر كان كثيرا ما يقول فيها
خفض عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيها
ولا قاصر عنك مأمورها
فإن لم يشغلها به وضع اليمنى على اليسرى أو أرسلهما إن أمن العبث نظير ما مر في الصلاة ( و ) أن ( يكون جلوسه بينهما ) أي الخطبتين ( نحو سورة الإخلاص ) تقريبا خروجا من خلاف من أوجبه ويشتغل فيه بالقراءة للخبر الصحيح بذلك والأفضل سورة الإخلاص ، ولو طول هذا الجلوس بحيث انقطعت به الموالاة بطلت خطبته لما مر أن الموالاة بينهما شرط بخلاف ما لو طول بعض الأركان بمناسب له ( وإذا فرغ منها شرع المؤذن في الإقامة وبادر الإمام ) ندبا ( ليبلغ المحراب مع فراغه ) تحقيقا للموالاة .