الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( أو تغير بمجاوره وإن بدهن لاصق )

                                                                                                                            ش : يعني أن الماء إذا تغير بمجاورة شيء له فإن تغيره بالمجاورة لا يسلبه الطهورية وسواء كان المجاور منفصلا عن الماء أو ملاصقا له فالأول كما لو كان إلى جانب الماء جيفة أو عذرة أو غيرهما فنقلت الريح رائحة ذلك إلى الماء فتغير ولا خلاف في هذا .

                                                                                                                            قال بعضهم ومنه إذا سد فم الإناء بشجر ونحوه فتغير منه الماء من غير مخالطة لشيء منه وأما الثاني وهو المجاور الملاصق فمثله ابن الحاجب بالدهن وتبعه المصنف على ذلك وقيده بالملاصق واحترز به من الممازج المخالط كما سيأتي .

                                                                                                                            وقال في توضيحه : وأما الدهن فقد أنكر ما ذكر المصنف لأن المعروف من المذهب أن الدهن يسلب الطهورية وممن ذكر ذلك ابن بشير وعلى هذا فيحمل كلامه على ما إذا كان مجاورا لسطح الماء وإليه أشار ابن عطاء الله وابن راشد ولا يقال يلزم عليه التكرار وكان يستغني عنه بالمجاورة لأنا نقول : أراد أن يبين أن المجاورة التي لا تضر قسمان قسم غير ملاصق وقسم ملاصق انتهى وقد اعترض ابن عرفة على ابن الحاجب في ذلك فقال ابن الحاجب : المتغير بالدهن طهور وقول ابن عبد السلام حقه أن يستغني عنه بالمجاور لأنه يجاور ولا يمازج يرد بأن ظاهر الروايات وأقوالهم كل تغير بحال معتبر وإن لم يمازج ونص ابن بشير : التغير بمخالطة الأدهان غير مطهر ونقل عبد الحق عن ابن عبد الرحمن عن الشيخ والقابسي ما استقى بدلو دهن بزيت غير طهور انتهى .

                                                                                                                            وذكر ابن فرحون عن ابن عطاء الله أنه وافق ابن الحاجب فقال : ولو سقط في الماء دهن أو عود لا يمتزج بالماء فغيره لم يضر قال : ولا إشكال وارد على ابن عطاء الله أيضا لأنه لم ينقله عن أحد من الأصحاب ولا عن الأمهات ثم ذكر أنه منقول عن ابن العربي انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : والذي يظهر أن الدهن إذا لاصق سطح الماء ولم يمازجه لا يضر كما قال المصنف وفي كلام ابن بشير إشارة إلى ذلك حيث قال : المتغير بمخالطة الأدهان والمخالطة الممازجة وقد صرح المصنف بأن الدهن المخالط يسلب الطهورية وقد فرق صاحب الجمع بين الدلو والدهن الواقع على سطح الماء بأن كل جزء من أجزاء الماء مازجه جزء من أجزاء الدهن في مسألة الدلو لأن الدهن ينشغ من قعر الدلو وأجنابه بخلاف الدهن الواقع في الماء فإنه يطفو على وجهه ويبقى ما تحته سالما وصاحب الجمع هذا لم أقف على اسمه ورأيت منه جزءا يجمع فيه بين كلام ابن هارون وابن راشد وابن عبد السلام ويبحث مع كل منهم وقوله ينشغ بالنون والشين والغين المعجمتين أي يرتفع وأصل النشوغ الشهيق حين يكاد يبلغ الغشي ولاصق في كلام المصنف فعل ماض لا اسم فاعل ويقال بالصاد والسين والزاي [ ص: 55 ]

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) إذا بنينا على ما مشى عليه المصنف في الدهن الملاصق فنقل ابن فرحون عن ابن قداح أنه لا يستعمل الماء حتى يلقط الدهن على وجه الماء قال هذا ويصح في الكثير وأما القليل كنقطة في آنية الوضوء فالظاهر أنه لا يحتاج إلى لقطه انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال ابن الإمام لم أر من قيد تغير المجاورة بالرائحة فقط ولا يمكن باللون لامتناع الانتقال عليه وفي إمكانه بالطعم نظر انتهى . وقال البساطي في المغني : وأكثر ما تغير المجاورة الريح وقد تؤثر في اللون انتهى .

                                                                                                                            ( الثالث ) والظاهر عدم إمكان تغير اللون كما قال ابن الإمام وكذا الطعم وإن قد يتوهم ذلك فالظاهر أنه من غلط الحس فإن تحقق تغير الطعم أو اللون لطول إقامة الدهن فيحمل على أن الدهن قد مازج الماء وخالطه والله أعلم قوله : قال في التوضيح : قال بعضهم : أراد ابن الحاجب بالدهن ما يصعد على وجه الماء الراكد بطول المكث مما يشبه الدهن وقال آخر : أراد بالدهن الماء القليل والمطر القليل . والدهن يطلق على ذلك لغة ولا يخفى ما فيهما من الضعف انتهى .

                                                                                                                            ونقل ابن فرحون عن ابن راشد أنه قال : هو محمول عندي على ما يصعد على وجه الماء من الدهنية التي تكون في الأواني التي يؤكل فيها وتستعمل في الماء لأنه صار مما لا ينفك عنه نوع الماء ودليله أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يستعملون أوانيهم للأكل والشرب والوضوء والله - تعالى - أعلم انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : وهذا يختلف بحسب كثرة الدهن وقلته فإن كان قليلا ولا يوجد له طعم في الماء فالظاهر أنه لا يضر والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية