الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم قال في المدونة : قيل لابن القاسم : فإن التفت بجميع جسده قال : لم أسأل مالكا عن ذلك وذلك كله سواء واختصر ذلك البراذعي فقال : ولا [ ص: 549 ] يلتفت المصلي فإن فعل لم يقطع ذلك صلاته وإن كان بجميع جسده قال الحسن : إلا أن يستدبر القبلة قال أبو الحسن الصغير قوله : وإن كان بجميع جسده زاد في الأمهات ورجلاه إلى القبلة وقوله : قال أبو الحسن : إلا أن يستدبر القبلة يريد أو يشرق أو يغرب وهو تفسير انتهى . ونقله ابن ناجي عنه وعن أبي إبراهيم وقبله وقال صاحب الطراز في شرح هذه المسألة : وذلك ; لأنه إذا وقف مستقبل القبلة ولوى عنقه فقط فجميع جسده مستقبل القبلة خلا وجهه وهو صورة فعل أبي بكر رضي الله عنه فلما كان جسده مستقبل القبلة كان حق الاستقبال قائما ، وكذلك إذا التفت بجميع جسده ورجلاه مستقبلتان إلى القبلة فحق الاستقبال في هذه الحالة أيضا قائم ; لأنه من وسطه إلى أسفله مستقبل القبلة وجسده أيضا في حكم المستقبل وإنما هو منحرف يسيرا وإنما الإخلال بوجهه فوق الإخلال بصدره . أما إذا استقبل برجليه جهة غير جهة القبلة كان تاركا للتوجه منصرفا عن جهة البيت ولو حول وجهه إلى جهة القبلة لم ينفعه ذلك كما لو جعل ناحية القبلة خلف عقبيه ثم التفت إليها بوجهه وراء ظهره انتهى .

                                                                                                                            وقال في العارضة في حديث البزاق في الصلاة : قوله في الحديث { إذا كنت في الصلاة فلا تبزق عن يمينك ولكن خلفك أو تلقاء شمالك وتحت قدمك اليسرى } فيه دليل على أن الرأس إذا كان في الصلاة مخالفا للقبلة تيامنا أو تياسرا أو إدبارا لا تبطل الصلاة إلا أن يتبعه البدن في الإدبار فتبطل الصلاة حينئذ ، إلا أن يصلي معاينا للبيت فإنه إن تياسر خرج عنه وبطلت الصلاة انتهى .

                                                                                                                            فقوله : إلا أن يتبعه البدن يريد جميع البدن حتى الرجلين لما تقدم في كلام المدونة أن الصلاة لا تبطل ولو التفت بجميع بدنه وإلى هذا أشار ابن العربي بقوله : مع الإدبار ، وقوله : إلا أن يصلي معاينا للبيت . إلخ يعني فتبطل صلاته وأيضا مع التياسر يريد إذا كان ذلك بجميع البدن حتى الرجلين ومثله التيامن ، وإنما خص التياسر بالذكر ; لأنه المأمور به في حديث البزاق وإنما خص المعاين للبيت ببطلان صلاته مع التياسر والتيامن ; لأن ذلك لا يبطلها في غير المعاينة وإنما يبطل بالتشريق والتغريب والاستدبار كما تقدم في كلام أبي الحسن الصغير ثم قال في العارضة في باب الالتفات في الصلاة : قد بينا أن ذلك لا يبطل الصلاة ولو رد رأسه كله خلفه ما لم يكن من بدنه ذلك انتهى . يعني ما لم يستدبر بجميع بدنه كما تقدم فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            وقال ابن رشد في شرح أول مسألة من كتاب الصلاة : الذي ذهب إليه مالك رحمه الله تعالى أن يكون بصر المصلي أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شيء أو ينكس رأسه وهو إذا فعل ذلك خشع ببصره ووقع في موضع سجوده على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس يضيق عليه أن يلحظ ببصره الشيء من غير التفات إليه فقد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية