الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وسفر أبيح )

                                                                                                                            ش : دخل السفر الواجب والمندوب من باب أولى ، ولو قال : جائز لشمل كلامه ذلك نصا ، وخرج المكروه والحرام . وما ذكره من اشتراط إباحة السفر هو الذي ذكره ابن عرفة عن القاضي عبد الوهاب واقتصر عليه ، واعترض على ابن الحاجب في حكايته فيه الخلاف فقال وشرط القاضي إباحة السفر وقول ابن الحاجب على الأصح لا أعرفه نصا ، انتهى . ونقله عنه المشذالي بلفظ وشرط القاضي إباحة السفر فمقابل الأصح لا أعرفه ، ولفظ ابن الحاجب : ولا يترخص بالعصيان على الأصح وقال ابن عبد السلام والمصنف في التوضيح : نفي ابن الحاجب الترخص بسبب العصيان يحتمل أن يريد به نفي التيمم خاصة وهو الأقرب من مراده ويحتمل أن يريد نفي الترخص عموما كالتيمم والمسح على الخفين وأكل الميتة ، وقال ابن عبد السلام : والحق أنه لا ينتفي من الترخص بسبب العصيان إلا رخصة يظهر أثرها في السفر دون الحضر كالقصر والفطر ، وأما رخصة يظهر أثرها في السفر والإقامة كالتيمم والمسح على الخفين فلا يمنع العصيان منها ومعنى هذا لابن رشد ، انتهى .

                                                                                                                            وقال صاحب الطراز إذا قلنا يمسح في الحضر فهل يمسح عليهما من سافر في معصية ؟ اختلف أصحابنا وأصحاب الشافعي في ذلك فقيل : لا يمسح ، ولا يترخص برخصة حتى يتوب ، وقيل : يمسح وهو الصحيح ; لأن المسح لا تختص رخصته بالسفر ، انتهى . وصرح صاحب الطراز أيضا في باب القصر بأنه يتيمم بلا خلاف ، ونصه بعد أن ذكر الخلاف في [ ص: 327 ] مسح الخفين : ولا يختلف أصحابنا أنه إذا عدم الماء يتيمم ويجزئه ، انتهى . وذكر القرطبي في تفسير سورة المائدة الخلاف وصحح ما رجحه صاحب الطراز وسيأتي لفظه .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) أكثر نصوصهم التعبير بالعصيان كما قال ابن الحاجب وهو لا يقتضي إخراج المكروه خلاف ما تعطيه عبارة القاضي عبد الوهاب والمصنف والظاهر الأول ; لأن السفر المكروه لا يمنع القصر تحريما ، وإنما يمنعه على سبيل الكراهة كما سيأتي في بابه وقالوا إنه لا إعادة عليه إن قصر فيه مع اشتراطهم هناك إباحة السفر على المشهور فأحرى هنا فتأمله ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) مثل ابن فرحون في الفصل التاسع من القسم الثالث من تبصرته العاصي بسفره كالآبق وقاطع الطريق والعاق لوالديه والمخالف لشيخه الذي فوض إليه أموره على ما ذكر بعضهم لا يجوز لأحد منهم التيمم على الأصح ويجب عليه الرجوع لما يجب عليه فإذا عزم على التوبة جاز له ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) أطلق المصنف - رحمه الله تعالى - السفر ، فظاهره سواء كان سفر قصر ، أو دونه ، وذكر ابن الحاجب في ذلك قولين وقال ابن عرفة فيه ثلاث طرق : الأولى اشتراطه . الثانية عدم اشتراطه . الثالثة فيه قولان . وقال ابن فرحون في شرحه : المذهب أنه لا يختص بسفر القصر وقال التونسي هو نص المدونة وهو نص الشيخ أبي محمد في مختصره وصدر به في الشامل فقال : وإن قصر سفره ، وقيل : كالقصر وبه جزم في الإشراف ، وقال القرطبي : لا يشترط أن يكون السفر مما تقصر فيه الصلاة هذا مذهب مالك وجمهور الفقهاء ، وقال قوم : لا يتيمم إلا في سفر القصر ، واشترط آخرون أن يكون سفر طاعة ، وهذا كله ضعيف ، والله تعالى أعلم . وهذا مع ما تقدم عن الطراز مما يصحح وجود الخلاف الذي ذكره ابن الحاجب في العصيان ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ولا يقال : هذا الفرع لا يحتاج إليه إلا على مقابل المشهور الذي يمنع الحاضر الصحيح من التيمم للفرائض ; لأنا نقول بل يحتاج إليه على المشهور أيضا في التيمم للسنن والنوافل فعلى الصحيح من عدم اشتراط مسافة القصر يتيمم للسنن والنوافل ، وعلى مقابله يكون كالحاضر لا يتيمم إلا للفرائض على أحد القولين ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) قال المازري في شرح مسلم في حديث عائشة رضي الله عنها وإقامته صلى الله عليه وسلم لطلب العقد على غير ماء قال بعض أصحابنا يباح السفر للتجر ، وإن أدى إلى التيمم واحتج بالحديث ; لأن إقامتهم على التماس العقد ضرب من مصلحة المال وتنميته وقبله هو وعياض وقال الأبي : قلت : إنما فيه الإقامة لحفظ المال وحفظه واجب بخلاف السفر لتنميته وقال عياض فيه جواز الإقامة بموضع لا ماء فيه لحوائج الإنسان ومصالحه وإنه لا يجب الانتقال عنه ; لأن فرضه هو ما لزمه من طهارة الماء ، أو التيمم إن عدمه ما لم يكن الماء قريبا منه فيلزمه طلبه عند كل طهارة ونحوه للباجي في المنتقى قال الأبي المصلحة هنا حفظ المال وهو واجب فلا يلزم جواز الإقامة لمطلق المصلحة ، انتهى فتأمله .

                                                                                                                            وما قاله الأولون ظاهر بل نقل ابن عرفة ذلك عن الباجي صريحا قال ما نصه الباجي عن المذهب وابن مسلمة جواز سفر التجر والرعي حيث يتيقن عدم الماء ، انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن ناجي في شرح قول الرسالة ويكره النوم قبلها ويقوم من كلام الشيخ أنه يكره للرجل الخروج قبل دخول الوقت من منزله إلى مكان يحدث فيه على أميال دون ما إذا كان يشك هل فيه ماء أم لا ؟ وانظر إذا تحقق أنه ليس فيه ماء هل يجب حمل الماء ، أو يستحب فقط ; لأن الطهارة لا تجب إلا بعد دخول الوقت فكذلك استعداد الماء لها وشاهدت في حال صغري فتوى شيخنا الشبيبي بذلك الأمر ولا أدري هل ذلك منه على الوجوب أو الندب ؟ ونفسي إلى الوجوب أميل ، انتهى .

                                                                                                                            والظاهر عدم الوجوب لقوله في المدونة : ومن [ ص: 328 ] خرج من قرية على غير وضوء يريد قرية أخرى وهو غير مسافر فغربت عليه الشمس ، فإن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق مضى إليه وإلا تيمم وصلى ونقله الشيخ أبو محمد بلفظ : من قرية إلى قرية على الميل والميلين ولم يحمله أحد من الشراح على ما بعد الوقوع فتأمله ، وهذا حيث تدعوه إلى الخروج ضرورة فإنه سيأتي أنه لا يجوز استعمال سبب ينقل إلى التيمم إلا عند حاجة ، أو حدوث ضرورة .

                                                                                                                            ( الخامس ) دخل في كلام المصنف ما إذا كان السفر مباحا وعصى فيه فإنه يتيمم قاله في التوضيح وغيره

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية