الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ولمس يلتذ صاحبه به عادة )

                                                                                                                            ش : تصوره واضح وظاهره سواء كان الملموس ذكرا أم أنثى أما الأنثى فلا كلام فيها وأما الذكر فقال ابن العلاء السبتي في منسكه : قال بعض العقلاء : ينبغي للطائف أن يتحرز من النظر إلى امرأة أو صبي حال طوافه ; لأن من العلماء من قال : إن اللذة بالنظر تنقض الوضوء فيكون طوافه فاسدا على هذا القول .

                                                                                                                            ( قلت ) والقولان في مذهبنا والمشهور عدم التأثير والقولان ذكرهما ابن الحاجب وكذلك ينبغي أيضا أن يتحرز من ملامسة الصبي فإنها تنقض الطهارة عند قوم وهو مذهب القاضي عياض رحمه الله تعالى ومذهب الإصطخري من أئمة الشافعية ، وكذلك ينبغي أيضا التحفظ من مصافحته ومعانقته إذا قدم من سفر ، انتهى .

                                                                                                                            قال القاضي عياض في قواعده ( الثالث ) يعني من موجبات الوضوء اللمس للذة بين الرجال والنساء فالقبلة والجسة ولمس الغلمان أو فرج سائر الحيوان قال شارحه سيدي أبو العباس القباب رحمه الله تعالى : قوله " والغلمان " يعني أن لمس الغلمان لمن قصد به اللذة كلمس النساء وهذا فعل من لا خلاق له ، وإن وجدها دون قصد توضأ كما مضى تفصيل أحوال الملامسة ، انتهى . وهذا ظاهر فقد ذكر هذا غير واحد من أهل المذهب في ذكر الغير قال في المدونة وإذا مست امرأة ذكر رجل فإن كان بشهوة فعليها الوضوء وبغير شهوة من مرض ونحوه فلا ينتقض وضوءها ، انتهى . وقال الشارح في قول القاضي عياض بين الرجال والنساء : يعني إذا لمس الرجل المرأة ولمست المرأة الرجل . ورأيت في بعض النسخ من الرجال والنساء ومعناه أن الوضوء ينتقض من الرجال والنساء فلا يتوهم أنه يختص بالرجال بل يوجب الوضوء على الملامس كيف كان وكما يجب على الرجل إذا لمس المرأة فكذلك يجب على [ ص: 297 ] المرأة إذا لمست الرجل انتهى وبقي شيء آخر وهو مس المرأة المرأة لم أر من تكلم عليها ، والظاهر أنها كذلك وقال ابن فرحون في شرحه : فرع ولمس الأمرد بلذة يوجب الوضوء كما تقدم في المرأة ، قاله القاضي عبد الوهاب في شرح المختصر وابن العربي في شرح الجلاب انتهى وقال القباب في قول القاضي عياض : وفروج سائر الحيوان مثل ذلك يعني إذا لمس رجل فرج بهيمة قاصدا الالتذاذ أو مست امرأة ذكر بهيمة قاصدة التلذذ ، انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره القاضي في فرج البهيمة ذكره ابن عرفة عن المازري واعترضه ونصه ناقلا عن المازري وذكر البهيمة كالغير ثم قال وقوله ذكر البهيمة كالغير يريد بمباينة الجنسية ، انتهى . وتقدم عن الذخيرة ما نصه : فرج البهيمة لا يوجب وضوءا خلافا لليث ; لأنه مظنة اللذة انتهى . فيحتمل أن تكون " لا " زائدة من الناسخ ويكون التعليل للقول الأول ، ويحتمل أن يكون التعليل للقول الثاني ، ولا يعترض على ما ذكره القاضي والمازري بفرج الصغيرة فإن فرج البهيمة مظنة اللذة أكثر من فرج الصغيرة ، والله تعالى أعلم . وقوله : ولمس اللمس أخص من المس قال في المقدمات في كتاب الوضوء المعنى بالملامسة الطلب قال الله تعالى { وأنا لمسنا السماء } أي طلبناها وفي الحديث { التمس ولو خاتما من حديد } أي اطلب فلا يقال لمن مس شيئا : لمسه ، إلا أن يكون مسه ابتغاء معنى يطلبه فيه من حرارة أو برودة أو صلابة أو رخاوة أو علم حقيقة قال الله تعالى { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم } الآية . ألا ترى أنه يقال : تماس الحجران ، ولا يقال : تلامسا . لما كانت الإرادة والطلب مستحيلة منهما وقال تعالى { وإنا لمسنا السماء } أي طلبنا السماء أو أردناها وفي الحديث { التمس ولو خاتما من حديد } فالمس التقاء الجسمين سواء كان لقصد معنى أو لا واللمس هو المس لطلب معنى ولما لم يكن اللمس ناقضا عندنا إلا مع قصد اللذة أو وجودها حسن التعبير عنه باللمس ، ولما كان مس الذكر ناقضا مطلقا حسن التعبير عنه بالمس فإن قيل : لم قلتم بنقض الوضوء إذا لم يقصد اللذة ووجدها مع أنه لم يحصل طلب ؟ فالجواب أنه لما وجد المعنى المقصود بالطلب كان أولى بالنقض ، والله تعالى أعلم . وقال بعضهم : اللمس ملاصقة مع إحساس والمس أعم منه ، وهذا راجع إلى ما يقوله أهل علم الكلام : إن اللمس هو القوة المبثوثة في جميع البدن تدرك بها الحرارة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك عند الالتماس والالتصاق ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية