ص ( إلا أن يهلك بعيب التدليس ، أو بمساوي زمنه كموته في إباقه )
ش : هذا مخرج من قوله والمخرج عن المقصود مفيت قال في كتاب التدليس [ ص: 457 ] من المدونة ومن فضمانه من البائع ، ويرد جميع الثمن كالتدليس بمرض فيموت ، أو بالسرقة فيسرق فتقطع يده فيموت من ذلك ، أو يحيى ، أو بالإباق فيأبق فيهلك باع عبدا دلس فيه بعيب فهلك العبد بسبب ذلك العيب ، أو نقص ، أو بالجنون فيخنق فيموت . ولابن شهاب
قال : وهذا بعد أن يقيم المبتاع البينة فيما حدث من سبب عيب التدليس ، وأما ما حدث به من غير سبب التدليس فلا يرده مع ما نقصه بذلك ، أو يحبسه ويرجع بعيب التدليس كما فسرنا ا هـ . مالك
قال أبو الحسن قوله : فيأبق فيهلك ; ظاهر هذا أن البائع لا يضمن ذلك إذا دلس بالإباق إلا إذا هلك العبد ، وليس كذلك بل يضمن إذا أبق فغاب - عرف هلاكه أم لا - وهو بين في الأمهات ولفظها : أو أبق ، فلم يرجع ، واختصره ابن يونس : فهلك ، أو ذهب ، ولم يرجع .
وظاهر الأمهات أنه بنفس إباقه يضمنه ا هـ .
( قلت : ) وصرح بذلك ابن رشد في أول مسألة من رسم أول عبد ابتاعه من سماع يحيى من كتاب العيوب ، ونصه : إذا دلس بالإباق فأبق العبد ، ولم يرجع كان على البائع أن يرد الثمن ويطلب عبده ا هـ . وصرح بذلك أيضا اللخمي في تبصرته في باب من باع عبدا وبه عيب فهلك منه ، أو به فقال : ومن باع عبدا ، وبه عيب فهلك منه ، أو تنامى إلى أكثر ، فإن لم يدلس رجع بقيمة العيب إن هلك ، وإن تنامى إلى أكثر كان له أن يمسك ويرجع بقيمته ، أو يرد قيمة ما تنامى فيه ، وإن دلس بالعيب رجع بجميع الثمن إن مات ، وله أن يرد إن تنامى ويرجع بجميع الثمن ، وإن دلس بمرض فمات منه رجع بجميع الثمن ، وفي كتاب محمد : ومن يعلم أنه مات منه ، وكذلك الأمة يدلس بحملها فتموت من النفاس فقال في المدونة : هي من البائع ، وقال في كتاب أشهب محمد : لو علم أنها ماتت من النفاس لكانت من البائع والأول : أحسن ; لأن ذلك مما يدرك معرفته كالسل ، والاستسقاء يدوم بصاحبه والنفاس تموت بفوره ، ويرد هذه العيوب إذا ماتت ، أو تنامت قبل معرفته بها إن قام بقرب ما علم ، وإن تراخى يرى أنه راض لم يكن له قيام ، وإن أتى من ذلك بما يشكل أمره هل هو راض حلف أنه لم يكن رضي وقام ، فإن دلس بسرقة فسرق فقطعت يده رده أقطع ويرده بجميع الثمن .
وإن كانت السرقة لا قطع فيها رده بجميع الثمن ، وكانت معاملة المسروق منه في تلك الجناية من البائع يفتدي منه ، أو يسلمه ، وإن كان البائع غير مدلس كان المشتري بالخيار بين أن يمسك ويأخذ قيمة العيب ، أو يرد وما نقصه القطع ، وإن لم يقطع كان بالخيار بين أن يسلمه للمجني عليه ويرجع بالعيب ، أو يفتديه ويرده على البائع واختلف إذا كانت سرقته من المشتري فقال : ذلك في ذمته ، وقال مالك سحنون : في رقبته وقال ابن حبيب : ذلك ساقط ; لأنه عبد حتى يحكم برده ، والأول : أحسن ; لأن كل ما فعله العبد مما دلس به السيد فكأنه فعله عند بائعه فلا يسقط ، فإن سرق من موضع أذن له فيه كان له في ذمته ، وإن لم يأذن له كان في رقبته ، وإن ذهب يسرق فمات ، أو سقط من موضع فهلك في ذهابه ، أو رجوعه كان من بائعه ، وإن دلس بالإباق فأبق رجع بجميع الثمن بنفس إباقه ، وإن كان حيا ، وعلى بائعه أن يطلبه ، وكذلك إن مات ، وقال : وإن لم يهلك من سبب الإباق له أن يرجع بالعيب ، وإن هلك بسببه مثل أن يقتحم نهرا ، أو يدخل بئرا فتنهشه حية ، أو يتردى في مهواة ، أو من جبل فيهلك رجع بجميع الثمن ، وأما إن مات موتة ، أو يكون سالما في إباقه ، أو يجهل أمره فلا يدري ما انتهى إليه حاله فلا أرى أن يرجع إلا بقيمة عيب الإباق ، والأول : أحسن ; لأنه بنفس الإباق وجب رجوع الثمن ; لأنه الوجه الذي دلس به ، وذهب به من يد مشتريه ا هـ . وفهم من كلامه أنه إذا كان البائع غير مدلس وأبق العبد ، ومات في إباقه ، ولم يرجع أنه لا يرجع على البائع إلا بقيمة الإباق فقط ، ونحوه في التلقين في فصل العيوب ، ونحوه أيضا ابن دينار لابن يونس فإنه قال : روى [ ص: 458 ] سحنون أن السبعة من فقهاء التابعين قالوا فيمن دلس بعيب في عبد ، أو أمة فهلكت بسبب ذلك الأمة ، أو العبد فهما من البائع وأخذ منه المبتاع الثمن كله .
قال بعض البغداديين : دليله المرأة تغر من نفسها أن لزوجها الرجوع بجميع الصداق إلا قدر ما يستحل به فرجها ; لأنها مدلسة بذلك العيب فكذلك هذا .
قال فيمن باع عبدا فدلس فيه بعيب فهلك العبد بسبب ذلك العيب ، أو نقص فضمانه من البائع ويرد جميع الثمن كالتدليس بالمرض فيموت ، أو بالسرقة فتقطع يده فيموت من ذلك ، أو يحيى ، أو بالإباق فيأبق فيهلك ، أو يذهب ، فلم يرجع . مالك
قال : أو بالجنون فاختنق فمات فهذا كله ضمانه من البائع ويرد جميع الثمن بعد أن يقيم المبتاع البينة على العيب ، وأن البائع باع بعد العلم به ، فإن ثبت علم البائع بهذا كله حين البيع رد جميع الثمن . ابن شهاب
قال ابن القاسم : وإن كان لم يدلس ; لأنه باعه ، وهو يعلم العيب فليس للمشتري إلا قيمة عيبه ، ولو قال : علمت العيب ولكن نسيت أن أذكره عند البيع حلف على ذلك ، ولم يكن له إلا قيمة العيب ا هـ . وكلام اللخمي في المسألة الآتية أعني قوله : وإن باعه المشتري وهلك فعيبه صريح في ذلك ، وقال في المسائل الملقوطة من اشترى أمة ، ثم غاب البائع ، واطلع المشتري على عيب في الجارية ، فلم يحضر البائع حتى ماتت الجارية من العيب فإن المشتري يثبت العيب ، ثم ينظر أهل المعرفة إن كان مما يحدث مثله في مدة الشراء فلا رجوع على البائع ، وإن كان مثله ما لا يحدث في مدة الشراء فإنه لا يلزمه الغرم يعني غرم الأرش خاصة لا غرم جميع الثمن قاله الجزولي عند قوله : من اشترى عبدا فوجد به عيبا ، وإن لم يثبت العيب فإنه يحلف أنه باعه هذه الجارية ، ولا يعلم بها عيبا ترد به ويثبت العيب بشاهد ويمين ، وحيث كان له أن يرد فصرح بالرد ، ثم هلك المبيع قبل وصوله إلى يد البائع ، فهل يكون ضمانه منه ، أو من المشتري ؟ .
ثلاثة أقوال يفرق فيها بين أن يحكم بها حاكم ، فيكون من البائع ، وإلا فمن المشتري ا هـ . وهذا إذا لم يدلس ، وأما المدلس ، فإنه يلزمه غرم جميع الثمن إذا ماتت الجارية بعيب التدليس ، وأما المسألة الأخيرة فإن الذي مشى عليه المصنف أنه لا ينتقل ضمانها للبائع إلا أن يرضى بالنقص ، أو يثبت عند حاكم وجود العيب ، وإن لم يحكم به حيث قال ودخلت في ضمان البائع إن رضي بالنقص ، أو ثبت عند حاكم ، وإن لم يحكم ، والله أعلم .
فتحصل من هذا أنه إذا هلك من العيب ، فإن دلس به البائع رجع عليه المشتري بجميع الثمن ، وإن لم يدلس رجع عليه بقيمة العيب فقط والله أعلم .