الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ومبيع لمحله )

                                                                                                                            ش : قال الشارح : المسألة السادسة : إذا اشترى شيئا يحتاج إلى حمل كالأدنان والخشب فحمله إلى غير محل القبض فمع التدليس يلزم البائع أخذه في ذلك الموضع ، ولا يلزم المبتاع رده لموضع القبض ، وقيل يلزمه اللخمي والأول : أصوب ا هـ . وظاهر كلام المصنف والشارح أن المدلس يلزمه أخذ المبيع في المحل الذي هو فيه ، ولو نقله إلى بلد غير بلد العقد ، وكلام اللخمي يدل على أن المراد نقله من دار البائع إلى داره لا أنه أخرجها من البلد إلا إذا كان البائع عالما بأن المشتري ينقله وسيسافر به .

                                                                                                                            قال اللخمي : اختلف إذا نقل المبيع ، ثم وجد به عيبا فقال ابن سحنون فيمن اشترى خشبا ، أو مطاحن فوجد به عيبا دلس به البائع بعد أن بان بها : تنازع أصحابنا فيها فقال قائلون على المشتري ردها والكراء على ردها وقال آخرون : ذلك على البائع ; لأن ذلك غرر ، ولو علم المشتري ما نقلها ، وهو أحسن وأرى عليه أن يغرم للمشتري ما كان نقلها به حين قبضها أي ، إن أوصلها إلى داره ا هـ . ثم قال في آخر الفصل : لما تكلم على نقل السلعة إلى بلد غير بلد البائع ، وإن كان البائع مدلسا وعالما أن المشتري ينقله ويسافر به كان للمشتري أن يجبره على قبوله في الموضع الذي نقل إليه ، ولا يراعى حمل ، ولا خوف طريق ا هـ . فيفهم منه إذا لم يكن عالما بأن المشتري ينقله لا يلزمه ذلك ، وصرح بذلك في البيان فقال ابن رشد في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب العيوب : ليس على من وجد عيبا بدابة اشتراها في غير البلد الذي اشتراها فيه أن يردها إلى البلد الذي فيه صاحبها إلا [ ص: 453 ] أن لا يجد السبيل إلى ردها عليه حيث هي لعدم بينة ، أو حكم ، والسلعة بخلاف ذلك لما لزمه من الكراء عليها في حملها من بلد إلى بلد روى أبو قرة عن مالك أنه إن دعاه صاحبها إلى ردها كان بالخيار بين أن يردها ، أو يأخذ قيمة العيب ، وكذلك من اشترى سلعة ثقيلة لا بد من الكراء عليها فلما حملها من دار البائع ، أو من الموضع الذي اشتريت به للبيع إلى داره ، وجد بها عيبا كان مخيرا بين أن يردها إلى الموضع الذي اشتراها فيه ، أو يمسكها ، ويرجع بالعيب إلا أن يرضى البائع أن يأخذها حيث هي ويرد إليه ما غرم في حملها فلا يكون للمبتاع أن يمسكها ويرجع بقيمة العيب ، وإن كان البائع دلس بالعيب لزمه أن يأخذها من دار المبتاع ويرد إليه ما غره على حملها ; لأنه غره في ذلك ، وسواء في حمل السلعة من بلد إلى بلد دلس له بالعيب ، أو لم يدلس ، والفرق بين الموضعين أن الذي يشتري الخابية ونحوها إنما يشتريها بحملها إلى داره قد علم ذلك البائع فوجب أن يفرق في ذلك بين التدليس وغيره كالذي يشتري الثوب فيقطعه قطع مثله ، ثم يجد عيبا ، وقد نقصه القطع ا هـ . فلم يفرق بين المدلس وغيره إلا في نقل السلعة في البلد وينبغي أن يقيد كلام ابن رشد بما إذا لم يكن البائع عالما بأن المشتري ينقله كما تقدم في كلام اللخمي ، وفي كلامه إشارة إليه فيتفق النقلان وينبغي أن يقيد كلام المصنف بذلك والله أعلم .

                                                                                                                            نعم كلام المتيطي الذي نقله المصنف في التوضيح مطلق ، وإن كان يتلمح منه أيضا أن ذلك بالبلد فانظره على نحو كلام ابن يونس في أول كتاب العيوب وانظر كلام ابن بطال أيضا فإنه مخالف لكلام اللخمي

                                                                                                                            ص ( وإلا رد إن قرب وإلا فات )

                                                                                                                            ش : هذا نحو ما نقل في التوضيح عن المتيطي أنه قال : وإن كان البائع غير مدلس ، فإن حمل المبيع إلى موضع قريب لزمه رده إلى حيث أخذه ، وإن نقله إلى موضع بعيد كان فوتا يوجب له الرجوع بقيمة العيب بعد ثبوته ا هـ . وقد تقدم في كلام ابن رشد أنه لا يلزمه رد السلعة مع القرب ونحوه لابن يونس .

                                                                                                                            قال في أوائل كتاب العيوب : قال بعض القرويين : ولو كانت سلعة فأدى في حملها ثمنا ، ثم وجد عيبا لكان مخيرا بين أن يرد ، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب ، ويصير ذلك كعيب حدث عنده .

                                                                                                                            قال : ولو اشتراها فحملها ، ثم ظهر أن البائع مدلس فليس على المشتري أن يردها إلى الموضع الذي اشتراها فيه لتدليسه عليه ، وقيل : ذلك عليه كالإقالة ا هـ . فلم يفرق بين القرب وغيره ، وكذلك كلام اللخمي فإنه نقل في ذلك قولين قال إثر كلامه السابق : ويختلف أيضا إن لم يدلس قال ابن حبيب : من نقل إلى بلد ما في نقله لبلد البائع غرم كثير يرفع إلى سلطان ذلك البلد فيسمع بينته على شراء الإسلام وعهدته يريد في الجارية فيأمر ببيع ذلك على بائعه ، وله فضله ، وعليه نقصه ، وعلى هذا إن نقلت في البلد قبضها حيث نقلت ، وإن لم يدلس ، وعلى ما ذكره ابن سحنون يكون نقله إلى بلد الآخر فوتا ، ويلزم المشتري قيمة العيب ، ولا يلزم البائع قبوله في البلد الآخر ، وهو أحسن إلا أن يكون المبيع عبدا ، أو دابة لا يتكلف في رجوعه [ ص: 454 ] كراء والطريق مأمونة فلا يكون نقله فوتا ، ويختلف إذا وجد البائع في البلد الذي نقل إليه ماله حمل ورضي البائع بقبضه فعلى قول ابن حبيب ذلك للبائع ، وروى أبو قرة عن مالك أنه قال : المشتري بالخيار إن شاء رد ، وإن شاء وضع عنه قدر العيب ، وهو أحسن .

                                                                                                                            وقد اختلف في الغاصب ينقل ماله حملا هل يكون له مقال لأجل الحمل فالمشتري أحرى أن يكون له ذلك فلا يلزم تسليم ماله حمل بالبلد الذي نقل إليه بإجماع منهما ; لأن للمشتري مقالا لما غرم في نقله وللبائع مقال لما يغرم في رده ، وإن كان لا حمل له كان المقال للبائع إذا كان الطريق غير مأمون ، فإن كان آمنا فلا مقال لواحد منهما ، ثم ذكر كلامه المتقدم في مسألة التدليس ، ثم قال : وإن كان المبيع مما يكال ، أو يوزن كان للمشتري أن يحبس هذا ، ويغرم المثل معيبا في البلد الذي اشتراه به ، وله أن يسلمه هنا ، ويجبر البائع على قبوله إن كان مدلسا ، وليس ذلك له إن لم يكن مدلسا ا هـ . واقتصر ابن بطال في مقنعه على قول ابن حبيب الذي نقله اللخمي ، ونقل ابن عرفة كلام اللخمي مختصرا ، واقتصر عليه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية