الأول الصيغة الثاني العاقد والمراد به البائع والمشتري الثالث المعقود عليه والمراد به الثمن والمثمن فهي في الحقيقة خمسة ، ولكن لما كان البائع والمشتري يشتركان في الشروط عبر عنهما بلفظ العاقد وكذا الثمن والمثمن ، وبدأ وللبيع ثلاثة أركان : المصنف بالكلام على الركن الأول فقال :
ص ( ينعقد البيع بما يدل على الرضا ، وإن بمعاطاة )
ش : وإنما بدأ بالكلام عليه لقلته أو ; لأنه أول الأركان في الوجود ثم بعده يحصل تقابض العوضين ، ولا يقال : العاقد سابق عليه ; لأن الصيغة كلام أو فعل يصدر منه وهما صفة له وصفة الشيء متأخرة عنه ; لأنا نقول إذا أمعنت النظر وجدت العاقد محل الركن ومحل الماهية أو محل ركنها كما يكون ركنا قاله ابن عبد السلام ، فالعاقد إنما يصح وصفه بذلك بعد صدور العقد منه فتأمله والله أعلم ، ويعني أن الركن الأول الذي هو هو ما يدل على الرضا من البائع ويسمى الإيجاب ، وما يدل على الرضا من المشتري ويسمى القبول ، وسواء كان الدال قولا كقول البائع بعتك وأعطيتك وملكتك بكذا وشبه ذلك ، وقول المشتري اشتريت وتملكت وابتعت وقبلت وشبه ذلك ، أو كان فعلا كالمعاطاة وهي المناولة ، قاله في الصحاح وقال الشيخ الصيغة التي ينعقد بها البيع زروق هي أن يعطيه الثمن فيعطيه المثمن من غير إيجاب ، ولا استيجاب ، انتهى . لأن الفعل يدل على الرضا عرفا والمقصود من البيع إنما هو أخذ ما في يد غيرك بعوض ترضاه ، فلا يشترط القول ويكفي الفعل كالمعاطاة .
والدليل على أن حصول الرضا ركن في البيع قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فعلم من هذا أن الدال على الرضا المسمى بالإيجاب والقبول تارة يكون قولا فلا كلام في انعقاد البيع به كما إذا قال البائع : بعتك بكذا ، وقال المشتري اشتريت منك بكذا ، فلا اختلاف أن ذلك لازم لكل واحد منهما إن أجابه صاحبه بالإمضاء والقبول في المجلس قبل التفرق ، قاله ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب ونقله ابن عرفة ، وتارة يكون فعلا واختلف فيه فذهب رحمه الله وجماعة إلى الاكتفاء بذلك ، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا ينعقد إلا بالقول ، قال مالك ابن رشد في المذهب واتفق الفقهاء على انعقاده باللفظ الدال على الرضا واختلفوا في ، فذهب انعقاده بالمعاطاة إلى انعقاده بها مطلقا ومنعه مالك مطلقا ، وقال الشافعي ينعقد بها في المحقرات خاصة وإليه مال أبو حنيفة الغزالي ، انتهى .
واحتج الشافعية بأن الفعل لا دلالة له بالوضع ، فلا ينعقد به البيع ، واحتج المالكية بما تقدم من أن الأفعال ، وإن انتفت منها الدلالة الوضعية ففيها دلالة عرفية ، وهي كافية إذ المقصود من التجارة إنما هو أخذ ما في يد غيرك بدفع عوض عن طيب نفس منكما فتكفي دلالة العرف [ ص: 229 ] في ذلك على طيب النفس والرضا بقول أو فعل ، وإن كان ذلك الفعل معاطاة ولما كان الفعل مختلفا في انعقاد البيع به نبه على ذلك المصنف بقوله ، وإن بمعاطاة يعني أن الدلالة على الرضا يكفي فيها الفعل ; لأنه يدل على الرضا في كثير من الأمور دلالة عرفية ، وإن كان ذلك الفعل معاطاة وعلم من هذا أن المحضة العاري عن القول من الجانبين لا بد فيه من حضور الثمن والمثمن ، ولذا ، قال بيع المعاطاة ابن عرفة أثناء كلامه في بيعتين في بيعة وبياعات زماننا في الأسواق إنما هي بالمعاطاة فهي منحلة قبل قبض المبيع ، انتهى . وعلم من المبالغة بقوله ، وإن بمعاطاة أن البيع ينعقد بالمعاطاة من جهة والقول من الجهة الأخرى من باب أحرى وسيصرح بذلك وعلم أيضا أنه ينعقد بكل قول يدل على الرضا وبالإشارة الدالة على ذلك ، وهي أولى بالجواز من المعاطاة ; لأنها يطلق عليها أنها كلام .
قال الله تعالى { آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } والرمز الإشارة ، وقال ابن عرفة الصيغة ما دل عليه ، ولو معاطاة في حمالتها ما فهم أن الأخرس فهمه من كفالة أو غيرها لزمه الباجي كل ، انتهى . إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم منها البيع
( قلت : ) وغير الأخرس كالأخرس ، قاله أبو الحسن في شرح مسألة المدونة المذكور ونصه وكذا غير الأخرس إذا فهم عنه بالإشارة ، وإنما ذكر الأخرس ; لأنه لا يتأتى منه غيرها ، انتهى . وكلام الباجي الذي ذكره ابن عرفة دال على ذلك ونصه في المنتقى وكل لفظ أو إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم بها البيع وسائر العقود ، انتهى . وسيأتي كلامه هذا عند قول المصنف وببعني