وإذا فالربح كله لرب المال ، والوضيعة عليه ; لأن المضارب غير مخالف في دفعه المال إلى غيره مضاربة ، فقد قال له رب المال : اعمل فيه برأيك والمضاربة الفاسدة تعتبر بالمضاربة الجائزة في [ ص: 103 ] الحكم ، فكما أنه في العقد الجائز بهذه الصورة لا يصير مخالفا بالدفع إلى غيره مضاربة ، فكذلك الفاسدة إلا أنه لا حق للأول في الربح ، فلا يستحق الثاني بشرطه شيئا من غير الربح ولكن عمل المضارب الثاني كعمل الأول ، فالربح كله لرب المال ، والوضيعة عليه ، وعلى رب المال أجر مثل المضارب الأول فيما عمل المضارب الآخر ، وللمضارب الآخر مثل نصف الربح في مال المضارب الأول ; لأنه صار مغرورا من جهته . دفع مالا مضاربة إلى رجل على أن للعامل من الربح مائة درهم ، وقال له : اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى غيره بالنصف فربح فيه ، أو وضع
وقد استحق الربح من يده بعد حصوله فيرجع عليه بمثل ما أوجبه له .
ولو كان الأول أخذ المال مضاربة بالنصف ، وقيل له : اعمل فيه برأيك فدفعه مضاربة إلى آخر ، على أن له من الربح مائة درهم ، فعمل به الثاني فللثاني أجر مثله على المضارب في تلك المضاربة لما بينا : أنه بمنزلة الأجير له ، ولكن الإجارة فاسدة .
ولو كانت صحيحة كان رجوعه في مال المضاربة فكذلك في الإجارة الفاسدة ، والربح بينه وبين رب المال على الشرط ; لأن عمل أجيره كعمله بنفسه .
ولو كان رب المال حين دفعه إلى الأول قال : على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بيننا نصفان ، أو قال : ما كان في ذلك من رزق فهو بيننا نصفان ، أو قال : خذ هذا المال مضاربة بالنصف ، وقال : اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة بالثلث فربح فللمضارب الآخر ثلث الربح وللأول سدسه ، ولرب المال نصفه ; لأن رب المال بهذه الألفاظ يكون شارطا نصف ربح جميع المال لنفسه ، فما أوجبه المضارب الأول للآخر يكون من نصيبه خاصة حتى لو دفعه الأول إلى الثاني مضاربة بالنصف ، فنصف الربح للمضارب الثاني ونصفه لرب المال ، ولا شيء للمضارب الأول ; لأنه حول جميع نصيبه إلى الثاني .
فإن كان المضارب الأول شرط للثاني ثلثي الربح فللمضارب الثاني نصف الربح ; لأن إيجاب المضارب الأول للثاني إنما يتم سببا لاستحقاقه فيما هو نصيب الأول ، وهو النصف دون الزيادة على ذلك ، ثم يرجع الثاني على الأول في ماله خاصة بسدس الربح أيضا ; لأنه صار مغرورا من جهته ، فإنه شرط له الثلثين ولم يسلم له إلا النصف ، وهذا الشرط من المضارب الأول غير صحيح في إبطال استحقاق رب المال ، أما في حق نفسه فهو صحيح ، وقد التزم سلامة ثلثي الربح للثاني ، فإذا لم يسلم إلا النصف رجع عليه بالسدس إلى تمام الثلثين ، ولا ضمان على المضارب الأول ; لأن رب المال قال له : اعمل برأيك فلا يصير هو مخالفا بإيجاب الشركة للغير في ربح المال .
ولو فهو بيننا نصفان ، أو : ما رزقك الله فيه ، أو قال : على أن ما كان لك فيه من فضل ، أو ربح أو [ ص: 104 ] قال : على أن ما كسبت فيه من كسب ، أو قال : على أن ما رزقك الله فيه من شيء ، أو قال : على أن ما صار لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان ، وقال له : اعمل فيه برأيك ودفعه الأول إلى آخر مضاربة بالنصف ، أو بثلثي الربح ، أو بخمسة أسداس الربح كان ذلك كله صحيحا ، وللثاني من الربح جميع ما شرط له ، والباقي بين الأول ورب المال نصفان ; لأن رب المال بهذه الألفاظ ما شرط لنفسه نصف جميع الربح ، وإنما شرط لنفسه نصف ما يحصل للأول من الربح ; لأنه أضاف بحرف الخطاب وهو الكاف ، أو التاء فما شرطه الأول للثاني قل أو كثر لا يتناول شيئا مما شرط رب المال لنفسه ، فيستحق الثاني جميع ما شرط له ، وما وراء ذلك جميع ما حصل للمضارب الأول ، وإنما شرط رب المال لنفسه نصف ذلك ، فلهذا كان الباقي بينهما نصفين ، بخلاف الأول فرب المال هناك شرط نصف جميع ربح المال لنفسه ; لأنه أضاف الرزق والربح إلى المال دون المضارب الأول . قال رب المال للأول : ما ربحت في هذا من شيء