( قال - رحمه الله - ) قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام [ ص: 18 ] أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي - رحمه الله - إملاء : المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض ، وإنما سمي به ; لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله فهو شريكه في الربح ، ورأس مال الضرب في الأرض والتصرف . وأهل المدينة يسمون هذا العقد مقارضة وذلك مروي عن رضي الله عنه فإنه دفع إلى رجل مالا مقارضة ، وهو مشتق من القرض وهو القطع فصاحب المال قطع هذا القدر من المال عن تصرفه وجعل التصرف فيه إلى العامل بهذا العقد فسمي به ، وإنما اخترنا اللفظ الأول ; لأنه موافق لما في كتاب الله تعالى . عثمان
قال الله تعالى { : وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } يعني السفر للتجارة ، وجواز هذا العقد عرف بالسنة ، والإجماع فمن السنة ما روي : أن { رضي الله عنه كان إذا العباس بن عبد المطلب شرط على المضارب أن لا يسلك به بحرا ، وأن لا ينزل واديا ، ولا يشتري به ذات كبد رطب ، فإن فعل ذلك ضمن . فبلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فاستحسنه . دفع مالا مضاربة }
وكان رضي الله عنه إذا دفع مالا مضاربة شرط مثل هذا . وروي : أن حكيم بن حزام عبد الله وعبيد الله ابنا رضي الله عنهم قدما عمر العراق ونزلا على رضي الله عنه فقال لو كان عندي فضل مال لأكرمتكما ولكن عندي مال من مال بيت المال فابتاعا به ، فإذا قدمتما أبي موسى المدينة فادفعاه إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه ، ولكما ربحه ، ففعلا ذلك ، فلما قدما على رضي الله عنه أخبراه بذلك ، فقال : " هذا مال المسلمين فربحه للمسلمين " فسكت عمر وقال عبد الله عبيد الله : " لا سبيل لك إلى هذا فإن المال لو هلك كنت تضمننا . قال بعض الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - : " اجعلهما بمنزلة المضاربين ، لهما نصف الربح وللمسلمين نصفه فاستصوبه رضي الله عنه عمر
وعن قال كان لنا مال في يد القاسم بن محمد : " عائشة رضي الله عنها وكانت تدفعه مضاربة فبارك الله لنا فيه لسعيها . وكان رضي الله عنه يدفع مال اليتيم مضاربة على ما روى عمر محمد - رحمه الله - وبدأ به الكتاب عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده : " أن رضي الله عنه أعطاه مال يتيم مضاربة وقال لا أدري كيف كان الشرط بينهما ؟ فعمل به عمر بالعراق وكان بالحجاز ، اليتيم كان يقاسم رضي الله عنه بالربح ، وفيه دليل جواز عمر ، وأن للإمام ولاية النظر في مال اليتامى ، وأن المضاربة بمال اليتيم في طريق آمن أو مخوف بعد أن كانت القوافل متصلة ، فقد كان للمضارب والأب والوصي المسافرة بمال اليتيم رضي الله عنه أعطى عمر زيد بن خليدة رضي الله عنه مالا مضاربة فأسلمه إلى عتريس بن عرقوب [ ص: 19 ] في حيوان معلوم بأثمان معلومة إلى أجل معلوم فحل الأجل فاشتد عليه فأتى عتريس رضي الله عنه يستعين به عليه فذكر ذلك فقال له عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : " خذ رأس مالك ولا تسلمه شيئا مما لنا في الحيوان " . وفيه عبد الله وفساد السلم ، وإنما اشتد على دليل جواز المضاربة عتريس بن عرقوب ; لفساد العقد أيضا ، فلا يظن به المماطلة في قضاء ما هو مستحق عليه مع قوله : صلى الله عليه وسلم { } { خيركم أحسنكم قضاء . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتعاملون بالمضاربة بينهم فأقرهم على ذلك وندبهم أيضا إليه على ما قال صلى الله عليه وسلم : من عال ثلاث بنات فهو أسير فأعينوه يا عباد الله ضاربوه داينوه } ; ولأن بالناس حاجة إلى هذا العقد فصاحب المال قد لا يهتدي إلى التصرف المربح ، والمهتدي إلى التصرف قد لا يكون له مال ، والربح إنما يحصل بهما يعني : المال والتصرف . ففي جواز هذا العقد يحصل مقصودهما .
وجواز عقد الشركة بين اثنين بالمال دليل على جواز هذا العقد ; لأن من جانب كل واحد منهما هناك ما يحصل به الربح ; فينعقد بينهما شركة في الربح ; ولهذا لا يشترط التوقيت في هذا العقد ولكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه ; لأن انعقاده بطريق الشركة دون الإجارة .