. ( قال ) لأن فعل المحرم معصية ، والإعانة على المعصية معصية فقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المعين شريكا ، ولأن الواجب عليه أن يأمره بالمعروف وينهاه عن التعرض للصيد فإذا اشتغل بالإعانة فقد أتى بضد ما هو واجب عليه فكان عاصيا فيه ، ولكن ليس عليه شيء سوى الاستغفار لأن الاصطياد ليس بحرام عليه إنما المحرم عليه الإعانة على المعصية ، وذلك موجب للتوبة . ولا ينبغي للحلال أن يعين المحرم على قتل الصيد
( قال ) وكذلك لا ينبغي له أن يشتريه منه لأن بيعه حرام على المحرم ، ولأن في امتناعه عن الشراء زجرا للمحرم عن اصطياده فإنه تقل رغبته في الاصطياد إذا علم أنه لا يشترى منه الصيد ، وسواء فعليه الجزاء عندنا ، وهو قول أصاب المحرم الصيد عمدا أو خطأ عمر وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، وقال وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ليس على المحرم في قتل الصيد خطأ جزاء لظاهر قوله تعالى { ابن عباس ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } الآية فالتقييد بالعمدية لإيجاب الجزاء يمنع وجوبه على المخطئ ، ولكنا نقول هذا ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف فيستوي فيه العامد والخاطئ كغرامات الأموال ، وهذه كفارة توجب جزاء للفعل فيكون واجبا على المخطئ كالكفارة بقتل المسلم ، وهذا لأن الله تعالى حرم على المحرم قتل الصيد مطلقا ، وارتكاب ما هو محرم بسبب الإحرام موجب للجزاء عمدا كان أو خطأ فأما تقييده بالعمد في الآية فليس لأجل الجزاء بل لأجل الوعيد المذكور في آخر الآية بقوله عز وجل { ليذوق وبال أمره } إلى قوله { ومن عاد فينتقم الله منه } وهذا الوعيد على العامد دون المخطئ ثم ذكر العمد هنا للتنبيه لأن الدلالة قد قامت على أن صفة العمدية في القتل مانعة من وجوب الكفارة لتمحض الحظرية فذكره الله هنا حتى يعلم أنه لما وجبت الكفارة هنا إذا كان الفعل عمدا وجب إذا كان خطأ بطريق الأولى ، وكذلك إن كان القتل أول ما أصاب أو أصاب قبله شيئا فعليه الجزاء في الوجهين جميعا ، وكان رضي الله عنه يقول : يجب الجزاء على المبتدئ بقتل الصيد فأما العائد إليه لا يلزمه الجزاء ، ولكن يقال له اذهب فينتقم الله منك لظاهر [ ص: 97 ] قوله تعالى { ابن عباس ومن عاد فينتقم الله منه } ، ولكنا نقول بأن الإتلاف لا يختلف بين الابتداء والعود إليه ، وجزاء الجناية يجب عند العود إليها بطريق الأولى لأن جناية العائد أظهر من جناية المبتدئ بالفعل مرة فأما الآية فالمراد من عاد بعد العلم بالحرمة كما في قوله تعالى في آية الربا { ومن عاد فأولئك أصحاب النار } يعني من عاد إلى المباشرة بعد العلم - بالحرمة لا أن يكون المراد العود إلى القتل بعد القتل .