948 - مسألة :
ومن - جاهليا كان الدافن ، أو غير جاهلي - فأربعة أخماسه له حلال ، ويقسم الخمس حيث يقسم خمس الغنيمة ، ولا يعطي للسلطان من كل ذلك شيئا إلا إن كان إمام عدل فيعطيه الخمس فقط ، وسواء وجده في فلاة في أرض وجد كنزا من دفن كافر غير ذمي العرب ، أو في أرض خراج ، أو أرض عنوة ، أو أرض صلح ; أو في داره ، أو في دار مسلم ، أو في دار ذمي ، أو حيث ما وجده حكمه سواء كما ذكرنا ، وسواء وجده حر ، أو عبد ، أو امرأة ، قال الله عز وجل : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية ، وقال تعالى : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } ، ومال الكافر غير الذمي غنيمة لمن وجده .
وروينا من طريق عن مالك ابن شهاب عن عن سعيد بن المسيب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } وفي الركاز الخمس
ومن حديث رويناه من طريق نا يحيى بن سعيد القطان حدثني شعبة عن أبيه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها " أن رجلا قال لها : أصبت كنزا فرفعته إلى السلطان فقالت عائشة : بفيك الكثكث " الكثكث التراب وقولنا هذا هو قول ، ولا يكون وجوده في أرض ممتلكة لمسلم ، أو ذمي موجبا لملك صاحب الأرض له لأنه غير الأرض ، فلا يكون ملك الأرض ملكا لما فيها من غيرها من صيد ، أو لقطة ، أو دفينة ، أو غير ذلك . أبي سليمان
وقال كقولنا ، إلا أنه قال : إن ادعى صاحب الأرض التي وجد فيها أنه قد وجده ثم أقره فهو له - وهذا ليس بشيء لأنها دعوى لا بينة له عليها فهو [ ص: 386 ] لمن وجده ; لأنه في يده وهو غانمه إلا أن يوجد أثر استخراجه ، ثم رده فيكون حينئذ قول صاحب الأرض حقا ، وأما إذا وجد كما وضع أول مرة فكذب مدعيه ظاهر بلا شك . الشافعي
وقال : لا يكون لواجده إلا أن يجده في صحارى أرض مالك العرب فهو له بعد الخمس ، فإن وجده في أرض عنوة فهو كله لبقايا مفتتحي تلك البلاد ، وفيه الخمس ; فإن وجده في أرض صلح فهو كله لأهل الصلح ، ولا خمس فيه .
وهذا خطأ ظاهر من وجوه : أولها : أنه أسقط الخمس عما وجد من ذلك في أرض صلح ، وهذا خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } فعم عليه السلام ولم يخص أرض صلح من غيرها . وفي الركاز الخمس
وثانيها : أنهم إنما صالحوا على ما يملكونه مما بأيديهم لا على ما لا يملكونه ولا هو بأيديهم ولا يعرفونه .
وثالثها : أنهم لو ملكوا كل ركاز في الأرض التي صالحوا عليها لوجب أن تملكه أيضا العرب الذين أسلموا على بلادهم فيكون ما وجد فيها من ركاز للذين أسلموا على تلك الأرض - وهذا خلاف قولهم .
وأما قوله : فيما وجد في أرض العنوة أنه لورثة المفتتحين . فخطأ لأن المفتتحين للأرض إنما يملكون ما غنموا ، لا ما لم يغنموا ، والركاز مما لم يغنموا ، ولا حصلوا عليه ، ولا أخذوه ; فلا حق لهم فيه .
والعجب كله أنهم لا يجعلون الأرض حقا للمفتتحين أرض العنوة وهم غنموها ثم يجعلون الركاز الذي فيها حقا لهم وهم لم يغنموه .
وقال الحنفيون : هو لواجده وعليه فيه الخمس ، وله أن يأخذ الخمس إن كان محتاجا إلا أن يجده في دار اختطها مسلم ، أو في دار الحرب ، فإنه إن وجده في دار اختطها مسلم فهو لصاحب الخطة وفيه الخمس ; وإن وجده في دار حربي وقد دخلها بأمان فهو كله للحربي ، وإن وجده في صحراء في دار الحرب فهو كله لواجده ولا خمس عليه فيه .
[ ص: 387 ] وهذا تقسيم في غاية الفساد ، وخلاف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن في الركاز الخمس - فعم عليه السلام ولم يخص ; ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبل ، وهو مع ذلك قول بلا برهان ، وفيه عن السلف آثار . منها : ما رويناه من طريق أبي حنيفة عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي : أن أتاه رجل بألف وخمسمائة درهم وجدها في خربة عليا بالسواد ، فقال : إن كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة فهي لهم ، وإن كانت لا تحمل خراجها فلك أربعة أخماسه ولنا خمسه ، وسأطيبه لك جميعا . علي
وهذا خلاف قول الحنفيين ، والمالكيين ، لأن السواد أخذ عنوة لا صلحا ، وكان في أيام دار إسلام ، وقبل ذلك بدهر ، وشيء رويناه من طريق علي : أن أبا قتادة موسى وجد دانيال بالسوس إذ فتحها ومعه مال إلى جنبه ، كانوا يستقرضون منه ما احتاجوا إلى أجل مسمى ، فإذا جاء ذلك الأجل ولم يرده المستقرض برص فكتب إلى بذلك . فكتب إليه عمر : كفنه ، وحنطه ، وصل عليه ، وادفنه كما دفنت الأنبياء واجعل المال في بيت مال المسلمين ، وهذا صحيح ، لأنه لم يكن ركازا ، إنما كان معلوما ظاهرا ، ولم يكن من أموال الكفار فيخمس ويغنم ; بل كان مال نبي فهو للمسلمين في مصالحهم . عمر
ومنها : خبر عن من طريق عمر سماك بن حرب عن جرير بن رياح عن أبيه : أنهم أصابوا قبرا بالمدائن ، وفيه ميت عليه ثياب منسوجة بالذهب ، ومعه مال ؟ فكتب فيه إلى عمار بن ياسر ؟ فكتب إليه عمر أعطهم إياه ولا تنزعه منهم - وهذا قولنا لا قولهم ، إلا أنه ليس فيه ذكر خمس ; ولا بد من الخمس عندنا وعندهم . عمر
وخبر من طريق عن هشيم عن مجالد الشعبي : أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة ، فأتى بها ، فأخذ خمسها مائتي دينار ودفع إليه الباقي ; ثم جعل عمر يقسم المائتين بين من حضر من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة فدفعها إلى واجدها - وهذا قولنا ، إلا في صفة قسمته الخمس . عمر
ومن طريق : أن ابن جريج أخبره أن عبدا وجد ركزة على عهد عمرو بن شعيب فأعتقه منها ، وأعطاه منها ، وجعل سائرها في بيت المال - وهم لا يقولون بهذا ، وسواء عندنا وجد الركاز حر ، أو عبد ، الحكم [ عندنا ] واحد على ما قدمنا . [ ص: 388 ] عمر
وروينا خبرين : أحدهما - من طريق الزمعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد بن الأسود عن : { ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب المقداد خرج إلى حاجته ببقيع الخبخبة فإذا جرذ يخرج من جحر دينارا بعد دينار ، ثم أخرج خرقة حمراء فكانت ثمانية عشر دينارا فأخذها وحملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أهويت الجحر ؟ قال : لا ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله لك فيها } وهذا خبر ليس موافقا لقول أحد ممن ذكرنا وإسناده مظلم ، أن الزمعي عن عمته قريبة وهي مجهولة ; ولعل تلك الدنانير من دفن مسلم مجهول ميئوس عن معرفته فهي لمن وجدها عندنا كلها .
وخبر آخر : من طريق عن يحيى بن معين وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عن عن محمد بن إسحاق يحيى بن أبي بجير { أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه إلى عبد الله بن عمرو بن العاص الطائف فمروا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه ، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه ، فابتدره الناس فوجدوا الغصن } وهذا لا يصح ، لأنه عن عن يحيى بن أبي بجير وهو مجهول ; ثم لا حجة فيه لقول أحد ممن ذكرنا ; وإنما فيه نبش قبور المشركين فقط وبالله تعالى التوفيق .