678 - مسألة :
قال ، مالك ، وبعض أصحابنا : والليث وقال بعض أصحابنا : أما الإبل فنعم ، وأما الغنم والبقر فلا زكاة إلا في سائمتها . تزكى السوائم ، والمعلوفة ، والمتخذة للركوب ، وللحرث وغير ذلك ، من الإبل ، والبقر ، والغنم ؟
وهو قول أبي الحسن بن المغلس .
وقال بعضهم : أما الإبل ، والغنم فتزكى سائمتها وغير سائمتها ، وأما البقر فلا تزكى إلا سائمتها .
وهو قول أبي بكر بن داود رحمه الله ؟ ولم يختلف أحد من أصحابنا في أن سائمة الإبل وغير السائمة منها تزكى سواء سواء .
وقال ، أبو حنيفة : لا زكاة إلا في السائمة من كل ذلك : [ ص: 145 ] وقال بعضهم : تزكى غير السائمة من كل ذلك مرة واحدة في الدهر ، ثم لا تعود الزكاة فيها . والشافعي
فاحتج أصحاب ، أبي حنيفة ، بأن قالوا : قولنا قول جمهور السلف من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ كما روينا من طريق والشافعي سفيان ، عن ومعمر أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وقد ذكرنا آنفا قول علي رضي الله عنه : في أربعين من الغنم سائمة شاة إلى عشرين ومائة . عمر
وعن عن ليث عن طاوس : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وعن معاذ بن جبل عن ابن جريج عن أبي الزبير : لا صدقة في المثيرة ولا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف في ذلك ؟ وعن جابر عن ابن جريج : لا صدقة في الحمولة ، والمثيرة ؟ وهو قول عطاء عمرو بن دينار ، والحمولة : هي الإبل الحمالة ، والمثيرة بقر الحرث ، قال تعالى : { وعبد الكريم لا ذلول تثير الأرض } .
وعن : ليس على ثور عامل ولا على جمل ظعينة صدقة ؟ وعن سعيد بن جبير : ليس في عوامل البقر صدقة ؟ وعن إبراهيم النخعي : من له أربعون شاة في مصر يحلبها فلا زكاة عليه فيها ، ولا صدقة في البقر العوامل ؟ وعن مجاهد الزهري : ليس في السواني من البقر ، وبقر الحرث صدقة ، وفيما عداهما من البقر الصدقة كصدقة الإبل ، وأوجب الزكاة في عوامل الإبل ؟ وعن : ليس في الإبل والبقر العوامل صدقة ؟ وعن عمر بن عبد العزيز : ليس في البقر العوامل والإبل العوامل صدقة . [ ص: 146 ] الحسن البصري
وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن ليس في البقر الحرث صدقة ؟ وعن سعيد بن عبد العزيز الحكم بن عتيبة . ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن : ليس في عوامل البقر ، والإبل صدقة ، إلا في السوائم خاصة ؟ وعن طاوس الشعبي : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وهو أيضا قول شهر بن حوشب والضحاك ؟ وعن : ليس في الإبل العوامل صدقة . ابن شبرمة
وقال الأوزاعي : لا زكاة في البقر العوامل ، وأوجبها في الإبل العوامل .
وقال سفيان : لا زكاة في غير السائمة من الإبل والبقر والغنم ، ولا زكاة في الغنم المتخذة للذبح - وذكر له قول في إيجاب الزكاة في ذلك ، فعجب ، وقال : ما ظننت أن أحدا يقول هذا ؟ وهو قول مالك ، وغيره وروينا عن أبي عبيد ، عمر بن عبد العزيز وقتادة إيجاب الزكاة في الإبل العوامل ؟ وعن وحماد بن أبي سليمان إيجاب الزكاة في كل غنم ، وبقر ، وإبل ، سائمة ; أو غير سائمة ؟ واحتجوا بأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : في سائمة الغنم قالوا : ولا يجوز أن يقول عليه السلام كلاما لا فائدة فيه ; فدل أن غير السائمة بخلاف السائمة . يحيى بن سعيد الأنصاري
وقد جاء في بعض الآثار : " في سائمة الإبل " قالوا : فقسنا سائمة البقر على ذلك ؟ وقالوا : إنما جعلت الزكاة فيما فيه النماء ; وأما فيما فيه الكلفة فلا ، ما نعلم لهم شيئا شغبوا به غير ما ذكرنا ؟ واحتج أصحابنا في تخصيص عوامل البقر خاصة بأن الأخبار في البقر لم تصح ; [ ص: 147 ] فالواجب أن لا تجب الزكاة فيها إلا حيث اجتمع على وجوب الزكاة فيها ; لم يجمع على وجوب الزكاة فيها في غير السائمة ؟ واحتج من رأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر بأن قال : قد صحت الزكاة فيها بالنص المجمل ، ولم يأت نص بأن تكرر الزكاة فيها في كل عام ، فوجب بالإجماع المتيقن ; ولم يجب التكرار في غير السائمة ، لا بنص ولا بإجماع ؟ قال تكرر الزكاة في السائمة : أما حجة من احتج بكثرة القائلين بذلك ; وبأنه قول أربعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف منهم مخالف - : فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو محمد
ثم نقول للحنفيين ، والشافعيين في احتجاجهم بهذه القضية فإن الحنفيين نسوا أنفسهم في هذه القصة ، إذ قالوا بزكاة خمسين بقرة ببقرة وربع ، ولا يعرف ذلك عن أحد من الصحابة ولا من غيرهم إلا عن ، وتقسيمهم في الميتات تقع في البئر فتموت فيه ، فلا يعرف أن أحدا قسمه قبلهم ، وتقديرهم المسح في الرأس بثلاث أصابع مرة وبربع الرأس مرة ولا يعرف هذا الهوس عن أحد قبلهم ، ولوددنا أن نعرف بأي الأصابع هي ؟ أم بأي خيط يقدر ربع الرأس ؟ وإجازتهم الاستنجاء بالروث ; ولا يعرف أن أحدا أجازه قبلهم ، وتقسيمهم فيما ينقض الوضوء مما يخرج من الجوف ولا يعرف عن أحد قبلهم ، وقولهم في صفة صدقة الخيل ، ولا يعرف عن أحد قبلهم ، ومثل هذا كثير جدا ; وخلافهم لكل رواية جاءت عن إبراهيم في غسل الإناء من ولوغ الكلب ، ولا مخالف له يعرف من الصحابة ، وخلافهم أبي هريرة ، عمر بن الخطاب وأبو حثمة ، وابنه سهل بن أبي حثمة في ترك ما يأكله المخروص عليه من التمر ، ومعهم جميع الصحابة بيقين ، لا مخالف لهم في ذلك منهم - ومثل هذا كثير جدا وكذلك نسي الشافعيون أنفسهم في تقسيمهم ما تؤخذ منه الزكاة مما يخرج من الأرض ولا يعرف عن أحد قبل ، وتحديدهم ما ينجس من الماء مما لا ينجس بخمسمائة رطل بغدادية وما يعرف عن أحد قبلهم ، وخلافهم الشافعي [ ص: 148 ] فيما سقي بالنضح وبالعين أنه يزكى على الأغلب ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، ومثل هذا كثير جدا لهم وأما احتجاجهم بما جاء في بعض الأخبار من ذكر السائمة ، فنعم ، صح هذا اللفظ في حديث جابر بن عبد الله عن أنس أبي بكر رضي الله عنه في الغنم خاصة ؟ فلو لم يأت غير هذا الخبر لوجب أن لا يزكى غير السائمة ; لكن جاء في حديث - كما أوردنا قبل - إيجاب الزكاة في الغنم جملة ، فكان هذا زائدا على ما في حديث ابن عمر أبي بكر ، والزيادة لا يجوز تركها .
وأما الخبر في سائمة الإبل فلا يصح ; لأنه لم يرد إلا في خبر فقط . بهز بن حكيم
ثم لو صح لكان ما في حديث أبي بكر زيادة حكم عليه والزيادة لا يحل خلافها ؟ ولا فرق بين هذا وبين قول الله تعالى : { وابن عمر قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } مع قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية .
قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } مع قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية ؟ [ ص: 149 ] وهلا استعمل الحنفيون والشافعيون هذا العمل حيث كان يلزمهم استعماله من قوله تعالى : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فقالوا : وكذلك من قتله مخطئا ؟ ولعمري إن قياس غير السائمة على السائمة لأشبه من قياس قاتل الخطأ على قاتل العمد وحيث قال الله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } فقالوا : نعم ، وإن لم يكن في حجورنا ومثل هذا كثير جدا ، لا يتثقفون فيه إلى أصل فمرة يمنعون من تعدى ما في النص حيث جاء نص آخر بزيادة عليه ، ومرة يتعدون النص حيث لم يأت نص آخر بزيادة عليه فهم أبدا يعكسون الحقائق .
ولو أنهم أخذوا بجميع النصوص ، ولم يتركوا بعضها لبعض ، ولم يتعدوها إلى ما لا نص فيه - : لكان أسلم لهم من النار والعار ؟ وأما قولهم : إن الزكاة إنما جعلت على ما فيه النماء ; فباطل ، والزكاة واجبة في الدراهم والدنانير ، ولا تنمي أصلا ، وليست في الحمير ، وهي تنمي ، ولا في الخضر عند أكثرهم ، وهي تنمي ؟ وأيضا فإن العوامل من البقر ، والإبل تنمي أعمالها وكراؤها ، وتنمي بالولادة أيضا ؟ فإن قالوا : لها مؤنة في العلف ؟ قلنا : وأنتم لا تلتفتون إلى عظيم المؤنة والنفقة في الحرث ، وإن استوعبته كله ; بل ترون الزكاة فيه ، ولا تراعون الخسارة في التجارة ، بل ترون الزكاة فيها فسقط هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق ؟ [ ص: 150 ] وأما من خص من أصحابنا البقر بأن لا تزكى إلا سائمتها فقط فإنهم قالوا : قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الإبل والغنم عموما ، وحد زكاتها ، ومن كم تؤخذ الزكاة منها : فلم يجز أن يخص أمره صلى الله عليه وسلم برأي ولا بقياس . وللسائمة مؤنة الراعي
وأما البقر فلم يصح في صفة زكاتها ، فوجب أن لا تجب الزكاة إلا في بقر صح الإجماع على وجوب الزكاة فيها ، ولا إجماع إلا في السائمة ; فوجبت الزكاة فيها ، دون غيرها التي لا إجماع فيها ؟ قال : وهذا خطأ ; بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب الزكاة في البقر ، بقوله عليه السلام الذي قد أوردناه قبل بإسناده - : { أبو محمد } . ما من صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي زكاتها إلا فعل به كذا
فصح بالنص وجوب الزكاة في البقر جملة ; إلا أنه لم يأت نص في العدد الذي تجب فيه الزكاة منها ، ولا كم يؤخذ منها ، ففي هذين الأمرين يراعى الإجماع ، وأما تخصيص بقر دون بقر فهو تخصيص للثابت عنه عليه السلام من إيجابه الزكاة في البقر بغير نص : وهذا لا يجوز ولا فرق بين من أسقط الزكاة عن غير السائمة بهذا الدليل وبين من أسقطها عن الذكور بهذا الدليل نفسه ، فقد صح الخلاف في زكاتها ؟ - : كما حدثنا حمام قال ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا ثنا أبو بكر بن أبي شيبة - عن جرير هو ابن عبد الحميد المغيرة هو ابن مقسم الضبي - عن قال : ليس في شيء من السوائم صدقة إلا إناث الإبل ، وإناث البقر ، والغنم ؟ قال إبراهيم النخعي : ولا يقول بهذا أحد من أصحابنا ، ولا الحنفيون ، ولا المالكيون ، ولا الشافعيون ، ولا الحنبليون ; ولا يجوز القول به أصلا ; لأنه تحكم بلا برهان فوجبت بالنص أبو محمد ، إلا بقرا خصها نص أو إجماع ؟ وأما العدد ، والوقت ، وما يؤخذ منها فلا يجوز القول به إلا بإجماع متيقن أو بنص صحيح - وبالله تعالى التوفيق . الزكاة في كل بقر ، أي صفة من صفات البقر كانت ، سائمة أو غير [ ص: 151 ] سائمة
وأما من قال في السائمة بعودة الزكاة فيها كل عام ، ورأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر - : فإنه احتج بأن الزكاة واجبة في البقر بالنص الذي أوردنا ; ولم يأت بتكرار الزكاة في كل عام نص ; فلا تجوز عودة الزكاة في مال قد زكي ، إلا بالإجماع ; وقد صح الإجماع بعودة الزكاة في البقر ، والإبل ، والغنم السائمة كل عام ، فوجب القول بذلك ، ولا نص ولا إجماع في عودتها في غير السائمة منها كلها ; فلا يجب القول بذلك ؟ قال : كان هذا قولا صحيحا لولا أنه قد ثبت { أبو محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث المصدقين في كل عام لزكاة الإبل ، والبقر ، والغنم } هذا أمر منقول نقل الكافة ; وقد صح { } فإذ قد صح هذا بيقين ; فخروج المصدقين في كل عام موجب أخذ الزكاة في كل عام بيقين ; فإذ لا شك في ذلك ، فتخصيص بعض ما وجبت فيه الزكاة عاما بأن لا يأخذ منه المصدق الزكاة عاما ثانيا تخصيص للنص . عن النبي صلى الله عليه وسلم ارضوا مصدقيكم
وقول بلا برهان ; وإنما يراعى مثل هذا فيما لا نص فيه وبالله تعالى التوفيق .