قال : قال علي : كل دم سائل أو قيح سائل أو ماء سائل من أي موضع سال من الجسد فإنه ينقض الوضوء ، فإن لم يسل لم ينقض الوضوء منه ، إلا أن يكون خرج ذلك من الأنف أو الأذن ، فإن خرج من الأنف أو الأذن فإن كان ذلك دما أو قيحا فبلغ إلى موضع الاستنشاق من الأنف أو إلى ما يلحقه الغسل من داخل الأذن فالوضوء منتقض ، وإن لم يبلغ إلى ما ذكرنا لم ينتقض الوضوء ، فإن خرج من الأنف مخاط أو ماء فلا ينتقض الوضوء ، وكذلك إن خرج من الأذن ماء فلا ينتقض الوضوء أبو حنيفة
. قال : فإن فإن كان غالبا على البزاق ففيه الوضوء وإن لم يملأ الفم ، وإن لم يغلب على البزاق فلا وضوء فيه ، فإن تساويا فيستحسن فيأمر فيه بالوضوء ، فإن خرج من الجرح دم فظهر ولم يسل فلا وضوء فيه ، فإن سال ففيه الوضوء ، فلو خرج من الجرح دود أو لحم فلا وضوء فيه ، فإن خرج الدود من الدبر ففيه الوضوء ، فإن عصب الجرح نظر ، فإن كان لو ترك سال ففيه الوضوء ، وإن كان لو ترك لم يسل فلا وضوء . قال وأما القيء والقلس وكل شيء خرج من الجوف إلى الفم ، فإن ملأ الفم نقض الوضوء وإن لم يملأ الفم لم ينقض الوضوء ، وحد بعضهم ما يملأ الفم بمقدار اللقمة - على أن اللقمة تختلف - وحد بعضهم ما لا يقدر على إمساكه في الفم قال خرج من الجوف إلى الفم أو من اللثات دم حاشا البلغم فلا وضوء فيه وإن ملأ الفم وكثر جدا ، قال أبو حنيفة : بل فيه الوضوء إذا ملأ الفم . أبو يوسف
وقال كقول محمد بن الحسن في كل ذلك إلا الدم ، [ ص: 237 ] فإن قوله فيه : إن خرج من اللثاة أو في الجسد أو من الفم كقول أبي حنيفة ، فإن خرج من الجوف لم ينقض الوضوء إلا أن يملأ الفم فينقض الوضوء حينئذ ، وقال أبي حنيفة كقول زفر في كل شيء إلا القلس ، فإنه قال ينقض الوضوء قليله وكثيره . أبي حنيفة
قال : مثل هذا لا يقبل - ولا كرامة - إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن خالقنا ورازقنا تعالى أمره ونهيه ، وأما من أحد دونه فهو هذيان وتخليط كتخليط المبرسم وأقوال مقطوع على أنه لم يقلها أحد قبل علي ، ولم يؤيدها معقول ولا نص ولا قياس ، أفيسوغ لمن يأتي بهذه الوساوس أن ينكر على من اتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في البائل في الماء الراكد وفي الفأرة تموت في السمن ؟ إن هذا لعجب ما مثله عجب . أبي حنيفة
قال : وموه بعضهم بخبر رويناه عن أبو محمد عن عبد الرزاق عن أبيه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ابن جريج } وخبر آخر رويناه من طريق الوضوء من القيء وإن كان قلسا يقلسه فليتوضأ إذا رعف أحد في الصلاة أو ذرعه القيء ، وإن كان قلسا يقلسه ، أو وجد مذيا فلينصرف وليتوضأ ثم يرجع فيتم ما بقي من صلاته ولا يستقبلها جديدا عن إسماعيل بن عياش عن أبيه وعن ابن جريج عن ابن أبي مليكة { عائشة } . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قاء أحدكم أو قلس فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى ما لم يتكلم
قال : وهذان الأثران ساقطان ; لأن أبو محمد والد ابن جريج لا صحبة له فهو منقطع ، والآخر من رواية وهو ساقط ، لا سيما فيما روي عن الحجازيين ، ثم لو صحا لكانا حجة على الحنفيين لأنه ليس شيء من هذين الخبرين يفرق بين ملء الفم من القيء والقلس وما دون ملء الفم من القيء والقلس ، ولا بين ما يخرج من نفاطة فينقض الوضوء وما يسيل من الأنف فلا ينقض الوضوء ولا فيه ذكر دم خارج من الجوف ولا من الجسد ولا من اللثاة ولا من الجرح ، وإنما فيهما القيء والقلس والرعاف فقط فلا على الخبرين اقتصروا ، كما فعلوا [ ص: 238 ] بزعمهم في خبر الوضوء من القهقهة والوضوء بالنبيذ ، ولا قاسوا عليهما فطردوا قياسهم ، لكن خلطوا تخليطا خرجوا به إلى الهوس المحض فقط ، فهو حجة عليهم - لو صح - وقد خالفوه . واحتجوا أيضا بحديث رويناه من طريق إسماعيل بن عياش الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ، فلقيت أبي الدرداء فذكرت ذلك له فقال : صدقت ، أنا صببت له وضوءه يعني النبي صلى الله عليه وسلم ثوبان } ورويناه من طريق عن عن عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان بن أبي طلحة عن قال { أبي الدرداء } . استقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطر ودعا بماء فتوضأ
قال : هذا الحديث الأول فيه أبو محمد يعيش بن الوليد عن أبيه وليسا مشهورين والثاني مدلس لم يسمعه يحيى من يعيش ، ثم لو صح لما كان لهم فيه متعلق ; لأنه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تقيأ فليتوضأ ، ولا أن وضوءه عليه السلام كان من أجل القيء ، وقد صح عنه عليه السلام التيمم لذكر الله تعالى ، وهم لا يقولون بذلك ، وليس فيه أيضا فرق بين ما يملأ الفم من القيء وبين ما لا يملؤه ، ولا فيهما شيء غير القيء ، فلا على ما فيهما اقتصروا ، ولا قاسوا عليهما قياسا مطردا . وذكروا أيضا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فاطمة بنت أبي حبيش - وقد ذكرناه قبل - وهو قوله عليه السلام { } وأوجب عليه السلام فيه الوضوء ، قالوا : فوجب ذلك في كل عرق سائل . إنما ذلك عرق وليس بالحيضة
قال : وهذا قياس ، والقياس باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنه إذا لم يجز أن يقيسوا دم العرق الخارج من الفرج على دم الحيض الخارج من الفرج ، وكلاهما دم خارج من الفرج ، وكان الله تعالى قد فرق بين حكميهما فمن الباطل أن يقاس دم خارج من غير الفرج على دم خارج من الفرج ، وأبطل من ذلك أن يقاس القيح على الدم ، ولا يقدرون على ادعاء إجماع في ذلك ، فقد صح عن علي الحسن وأبي مجلز الفرق بين الدم والقيح ، وأبطل من ذلك أن يقاس الماء الخارج من النفاطة على الدم والقيح ، ولا يقاس الماء الخارج من الأنف والأذن على الماء الخارج من النفاطة ، وأبطل من ذلك أن يكون دم العرق الخارج من الفرج [ ص: 239 ] يوجب الوضوء ، قليله وكثيره ، ويكون القيء المقيس عليه لا ينقض الوضوء إلا حتى يملأ الفم ، ثم لم يقيسوا الدود الخارج من الجرح على الدود الخارج من الدبر ، وهذا من التخليط في الغاية القصوى . فإن قالوا : قسنا كل ذلك على الغائط لأن كل ذلك نجاسة قلنا لهم : قد وجدنا الريح تخرج من الدبر فتنقض الوضوء وليست نجاسة ، فهلا قستم عليها الجشوة والعطسة ، لأنها ريح خارجة من الجوف كذلك ولا فرق ؟ وأنتم قد أبطلتم قياسكم هذا فنقضتم الوضوء بقليل البول والغائط وكثيره ، ولم تنقضوا الوضوء من القيح والقيء والدم والماء إلا بمقدار ملء الفم أو بما سال أو بما غلب ، وهذا تخليط وترك للقياس . فإن قالوا : قد روي الوضوء من الرعاف ومن كل دم سائل عن عطاء وإبراهيم ومجاهد وقتادة وابن سيرين وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والحسن البصري وفي الرعاف عن الزهري ، نعم . وعن علي رضي الله عنهم وعن وابن عمر الوضوء من القلس والقيء والقيح ، وعن عطاء في القيح ، وعن قتادة الحكم بن عتيبة في القلس ، وعن في القيء ، قلنا : نعم إلا أنه ليس منهم أحد حد شيئا من ذلك بملء الفم ، ولو كان فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف هؤلاء نظراؤهم ، فصح عن ابن عمر : أنه أدخل إصبعه في أنفه فخرج فيها دم ففته بأصبعه ثم صلى ولم يتوضأ ، وعن أبي هريرة : أنه عصر بثرة بوجهه فخرج منها دم ففته بين إصبعيه وقام فصلى ، وعن ابن عمر أنه كان لا يرى في الرعاف وضوءا وعن طاوس أنه كان لا يرى في الرعاف وضوءا ، وعن عطاء الحسن أنه كان لا يرى في القلس وضوءا ، وعن أنه كان لا يرى في القلس وضوءا . مجاهد
والعجب كله أن وأصحابه لا يرون الغسل من أبا حنيفة ، وهو المني نفسه الذي أوجب الله تعالى ورسوله عليه السلام فيه الغسل ثم يوجبون الوضوء من القيح يخرج من الوجه قياسا على الدم يخرج من الفرج والعجب كله أنهم سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن الذكية بالسن فإنه عظم ، فرأوا الذكاة غير جائزة بكل عظم ، ثم أتوا إلى قوله عليه السلام في وضوء المستحاضة { المني إذا خرج من الذكر لغير لذة } فقاسوا على دم الرعاف واللثاة والقيح فهذا مقدار علمهم بالقياس ، ومقدار اتباعهم للآثار ، ومقدار تقليدهم من سلف . [ ص: 240 ] وأما فإنه عرق فإنه جعل العلة في نقض الوضوء للمخرج وجعله الشافعي للخارج وعظم تناقضه في ذلك كما ذكرنا ، وتعليل كلا الرجلين مضاد لتعليل الآخر ومعارض له ، وكلاهما خطأ ; لأنه قول بلا برهان ، ودعوى لا دليل عليها ، قال الله تعالى { أبو حنيفة قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } .
قال : ويقال للشافعيين والحنفيين معا : قد وجدنا الخارج من المخرجين مختلف الحكم ، فمنه ما يوجب الغسل كالحيض والمني ودم النفاس ، ومنه ما يوجب الوضوء فقط كالبول والغائط والريح والمذي ، ومنه ما لا يوجب شيئا كالقصة البيضاء ، فمن أين لكم أن تقيسوا ما اشتهيتم فأوجبتم فيه الوضوء قياسا على ما يوجب الوضوء من ذلك ، دون أن توجبوا فيه الغسل قياسا على ما يوجب الغسل من ذلك ، أو دون أن لا توجبوا فيه شيئا قياسا على ما لا يجب فيه شيء من ذلك ؟ وهل هذا إلا التحكم بالهوى الذي حرم الله تعالى الحكم به وبالظن الذي أخبر تعالى أنه لا يغني من الحق شيئا ، ومع فساد القياس ومعارضة بعضه بعضا . أبو محمد
وأما المالكيون فلم يقيسوا ههنا فوفقوا ، ولا عللوا ههنا بخارج ولا بمخرج ولا بنجاسة فأصابوا ، ولو فعلوا ذلك في تعليلهم الملامسة بالشهوة ، وفي تعليلهم النهي عن البول في الماء الراكد ، والفأرة تموت في السمن ، لوفقوا ولكن لم يطردوا أقوالهم . فالحمد لله على عظم نعمه علينا . وهم يدعون أنهم يقولون بالمرسل ، وقد أوردنا في هذا الباب مرسلات لم يأخذوا بها ، وهذا أيضا تناقض .
وأما فقد روينا عن الوضوء من أذى المسلم رضي الله عنها قالت : يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ، ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها لأخيه وعن عائشة رضي الله عنه : لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أن أتوضأ من الطعام الطيب . وعن ابن مسعود : الحدث حدثان ، حدث الفرج وحدث اللسان وأشدهما حدث اللسان . وعن ابن عباس : إني لأصلي الظهر والعصر والمغرب بوضوء واحد ، إلا أن أحدث أو أقول منكرا ، إبراهيم النخعي . وعن الوضوء من الحدث وأذى المسلم : الوضوء يجب من الحدث وأذى المسلم . وروينا من طريق عبيدة السلماني داود بن المحبر عن عن شعبة عن قتادة { أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ من الحدث وأذى المسلم } . [ ص: 241 ] قال : علي داود بن المحبر كذاب ، مشهور بوضع الحديث ، ولكن لا فرق بين تقليد من ذكرنا قبل في الوضوء من الرعاف والقيء والقلس ، والأخذ بذلك الأثر الساقط ، وبين تقليد من ذكرنا ههنا في الوضوء من أذى المسلم ، والأخذ بهذا الأثر الساقط ، بل هذا على أصولهم أوكد لأن الخلاف هنالك بين الصحابة رضي الله عنهم موجود ، ولا مخالف يعرف ههنا لعائشة وابن مسعود رضي الله عنهم ، وهم يشنعون مثل هذا إذا وافقهم . وابن عباس
وأما نحن فلا حجة عندنا إلا فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن أو خبر .
وأما فإننا روينا عن مس الصليب والوثن عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمار الدهني " أن أبي عمرو الشيباني رضي الله عنه استتاب علي بن أبي طالب المستورد العجلي ، وأن مس بيده صليبا كانت في عنق عليا المستورد فلما دخل في الصلاة قدم رجلا وذهب ، ثم أخبر الناس أنه لم يفعل ذلك لحدث أحدثه ، ولكنه مس هذه الأنجاس فأحب أن يحدث منها وضوءا " وروينا أثرا من طريق علي عن يعلى بن عبيد عن صالح بن حيان ابن بريدة عن أبيه { بريدة وقد مس صنما فتوضأ } . قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر : علي ضعيف لا يحتج به ، ولقد كان يلزم من يعظم خلاف الصاحب ويرى الأخذ بالآثار الواهية مثل الذي قدمنا أن يأخذ بهذا الأثر ، فهو أحسن من كثير مما يأخذون به قد ذكرناه ، ولا يعرف صالح بن حيان ههنا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا مما تناقضوا فيه . لعلي
وأما نحن فلا حجة عندنا إلا في خبر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن . والحمد لله رب العالمين . لا سيما رضي الله عنه قد قطع صلاة الفرض بالناس من أجل ذلك ، وما كان رضي الله عنه ليقطعها فيما لا يراه واجبا . فإن قالوا : لعل هذا استحباب قلنا : ولعل كل ما أوجبتم فيه الوضوء من الرعاف وغيره تقليدا لمن سلف إنما هو استحباب وكذلك المذي ، وهذا كله لا معنى له وإنما هي دعاو مخالفة للحقائق . وبالله تعالى التوفيق . وعلي
وأما الردة فإن المسلم لو توضأ واغتسل للجنابة أو كانت امرأة فاغتسلت من الحيض ثم ارتدا ثم راجعا - الإسلام دون حدث يكون منهما ، فإنه لم يأت قرآن ولا سنة [ ص: 242 ] صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قياس بأن الردة حدث ينقض الطهارة ، وهم يجمعون معنا على أن الردة لا تنقض غسل الجنابة ولا غسل الحيض ولا أحباسه السالفة ولا عتقه السالف ولا حرمة الرجل ، فمن أين وقع لهم أنها تنقض الوضوء وهم أصحاب قياس ، فهلا قاسوا الوضوء على الغسل في ذلك ، فكان يكون أصح قياس لو كان شيء من القياس صحيحا ، فإن ذكروا قول الله تعالى { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } قلنا هذا على من مات كافرا لا على من راجع الإسلام . يبين ذلك قول الله تعالى { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } وقوله تعالى { ولتكونن من الخاسرين } شهادة صحيحة قاطعة لقولنا ، لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن من ارتد ثم راجع الإسلام ومات مسلما فإنه ليس من الخاسرين ، بل من الرابحين المفلحين ، وإنما الخاسر من مات كافرا ، وهذا بين والحمد لله .
وأما فقد اختلف الناس فيه ، فروينا من طريق الدم الظاهر من فرج المرأة الحامل أم علقمة عن عائشة أم المؤمنين أن الحامل تحيض ، وهو أحد قولي الزهري وهو قول عكرمة وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وربيعة ومالك والليث ، وروينا عن والشافعي سعيد بن المسيب والحسن أنها مستحاضة لا حائض وروي عن وحماد بن أبي سليمان أنه قال في الحامل ترى الدم أنها لا تصلي إلا أن يطول ذلك بها فحينئذ تغتسل وتصلي ، ولم يحد في الطول حدا ، وقال أيضا ليس أول الحمل كآخره ، ويجتهد لها ولا حد في ذلك . وروينا من طريق مالك عن عطاء عائشة أم المؤمنين : أن الحامل وإن رأت الدم فإنها تتوضأ وتصلي ، وهو قول عطاء والحكم بن عتيبة والنخعي والشعبي وسليمان بن يسار ، وأحد قولي ونافع مولى ابن عمر الزهري ، وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد وأصحابهم : قال وداود : صح { أبو محمد } ، وإذا كانت حائلا فصح أن حال الحائض والحائل غير حال الحامل وقد اتفق المخالفون لنا على أن ظهور الحيض استبراء وبراءة من الحمل ، فلو جاز أن تحيض - الحامل لما كان الحيض براءة من الحمل ، وهذا بين جدا والحمد لله ، وإذا كان ليس - حيضا ولا عرق استحاضة فهو غير موجب للغسل ولا للوضوء إذ لم يوجب ذلك نص ولا إجماع [ ص: 243 ] وكذلك دم النفاس فإنما يوجب الغسل ، لأنه دم حيض على ما بينا بعد هذا والحمد لله رب العالمين . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن طلاق الحائض وأمر بالطلاق في حال الحمل
وكذلك القول في الذبح والقتل وإن كان معصية ، فإن كل ذلك لا ينقض الطهارة ، لأنه لم يأت بذلك قرآن ولا سنة ، وكذلك من مس المرأة على ثوب ، لأنه إنما لامس الثوب لا المرأة ، وكذلك مس الرجل الرجل بغير الفرج ومس المرأة المرأة وبغير الفرج والإنعاظ والتذكر وقرقرة البطن في الصلاة ومس الإبط ونتفه ومس الأنثيين والرفغين وقص الشعر والأظفار لأن كل ما ذكرنا لم يأت نص ولا إجماع بإيجاب الوضوء في شيء منه . وقد أوجب الوضوء في بعض ما ذكرنا بل في أكثره بل في كله ، طوائف من الناس ، فأوجب الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة ، وأوجب الوضوء في الإنعاظ والتذكر والمس على الثوب لشهوة بعض المتأخرين ، وروينا إيجاب إبراهيم النخعي عن الوضوء في مس الإبط عمر بن الخطاب ، وإيجاب الغسل من نتفه عن ومجاهد علي بن أبي طالب . وعن وعبد الله بن عمرو مجاهد . وروينا عن الوضوء من تنقية الأنف علي بن أبي طالب ومجاهد وذر والد عمر بن ذر إيجاب ، وأما الوضوء من قص الأظفار وقص الشعر فإن الدود والحجر يخرجان من الدبر أوجب الوضوء من ذلك ولم يوجبه الشافعي ولا أصحابنا ، وقد روينا { مالك } ولكنه مرسل لا يسند . وأما الصفرة والكدرة والدم الأحمر فسيذكر في الكلام في الحيض - إن شاء الله - حكمه وإنه ليس - حيضا ولا عرقا ، فإذا ليس حيضا ولا عرقا فلا وضوء فيه . إذ لم يوجب في ذلك قرآن ولا سنة ولا إجماع . وأما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس أنثييه أو رفغيه فليتوضأ فإنا روينا في إيجاب الوضوء منه أثرا واهيا لا يصح لأنه إما مرسل من طريق الضحك في الصلاة أبي العالية وإبراهيم النخعي وابن سيرين والزهري وعن الحسن عن معبد بن صبيح ومعبد الجهني ، وإما مسند من طريق أنس وأبي موسى وأبي هريرة وعمران بن حصين وجابر وأبي المليح ، وروينا إيجاب الوضوء منه عن أبي موسى الأشعري وإبراهيم النخعي والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن وأصحابه . وأبي حنيفة
[ ص: 244 ] فأما حديث فإنه من طريق أنس أحمد بن عبد الله بن زيادة التتري عن عبد الرحمن بن عمر وأبي حيلة وهو مجهول ، وأما حديث أبي موسى ففيه محمد بن نعيم وهو مجهول ، وأما حديث ففيه أبي هريرة وهو غير ثقة وأما حديث عبد الكريم بن أبي المخارق ففيه عمران بن حصين إسماعيل بن عياش وعبد الوهاب بن نجدة وهما ضعيفان ، وأما حديث ففيه جابر وهو ضعيف ، وأما حديث أبو سفيان أبي المليح ففيه الحسن بن دينار وهو مذكور بالكذب . ولا حجة إلا في القرآن أو - أثر صحيح مسند . وقد كان يلزم المالكيين والشافعيين القائلين بالمتواتر من الأخبار حتى ادعوا التواتر لحديث { معاذ } والقائلين بمرسل أجتهد رأيي سعيد أن يقولوا بهذه الآثار ، فإنها أشد تواترا مما ادعوا له التواتر ، وأكثر ظهورا في عدد من أرسله من النهي عن بيع اللحم والحيوان بالحيوان ، وسائر ما قالوا به من المراسيل . وطاوس
وكذلك كان يلزم وأصحابه المخالفين الخبر الصحيح - في المصراة وفي حج المرأة عن الهرم الحي وفي سائر ما تركوا فيه السنن الثابتة للقياس - أن يرفضوا هذا الخبر الفاسد قياسا على ما أجمع عليه من أن الضحك لا ينقض الوضوء في غير الصلاة ، فكذلك لا يجب أن ينقضه في الصلاة ، ولكنهم لا يطردون القياس ولا يتبعون السنن ولا يلتزمون ما أحلوا من قبول المرسل والمتواتر ، إلا ريثما يأتي موافقا لآرائهم أو تقليدهم ، ثم هم أول رافضين له إذا خالف تقليدهم وآراءهم . وحسبنا الله ونعم الوكيل . أبا حنيفة
ويقال لهم : في أي قرآن أو في أي سنة أو في أي قياس وجدتم تغليظ بعض الأحداث فينقض الوضوء قليلها وكثيرها ، وتخفيف بعضها قد ينقض الوضوء إلا مقدارا حددتموه منها ؟ والنص فيها كلها جاء مجيئا واحدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ولا يخفى على ذي عقل أن بعض الحدث حدث ، فإذا هو كذلك فقليله وكثيره ينقض الطهارة ، وما لم يكن حدثا فكثيره وقليله لا ينقض الطهارة . وبالله تعالى التوفيق . لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ